عظمة الله رب العالمين: (9) وسع كرسيه السموات والأرض

تاريخ الإضافة 9 يناير, 2025 الزيارات : 1850

(9) وسع كرسيه السموات والأرض

مع سلسلة حديثنا عن عظمة الله رب العالمين اليوم نتوقف مع قول الله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة: 255].

والكرسي ربما المتبادر إلى الذهن أنه كهذا الكرسي الذي أجلس عليه، لكن عندنا أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الكرسي هو موضع القدمين لله جل وعلا.

وفي حديث أبي ذر الطويل، الذي حسن العلماء الشاهد منه، وهو عند ابن أبي شيبة في مصنفه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، ما السماوات السبع والأرضين بجانب كرسي الله إلا كحلقة ملقاة في فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة).

حلقة: أي خاتم، فالسماوات السبع والأرضين بالنسبة إلى كرسي الله سبحانه وتعالى، كنسبة حلقة ملقاة في صحراء واسعة.

ثم فضل العرش على الكرسي، من ناحية العظمة والسعة والخلق، كفضل هذه الصحراء على تلك الحلقة.

كلام النبي صلى الله عليه وسلم بليغ ومجمل، يجعل الإنسان يفكر في عظمة الله ومدى اتساع هذا الكون.

لو أردنا تقريب الصورة، مثلًا:

هذا المكان الذي نحن فيه، بالنسبة إلى المدينة التي نعيش فيها، كم يمثل؟

إذا وسعنا النسبة، كم يساوي هذا المكان بالنسبة إلى كندا؟

ثم إذا وسعنا أكثر، كم يساوي بالنسبة إلى مساحة الكرة الأرضية؟!

طبعًا، ستضع رقم واحد إلى ما شاء الله.

هذا المكان الذي نحن فيه الآن بالنسبة إلى الكرة الأرضية لا شيء.

وهل تعلم أن هذه الكرة الأرضية كلها، هذا الكوكب الذي نعيش عليه، لا يساوي عند الله جناح بعوضة؟!

النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرًا منها شربة ماء)

هل الأرض هي مركز الكون؟

لفت نظري قصة ذكرها الدكتور عبد المجيد الزنداني، أنه كان في أحد المؤتمرات العلمية، وقال أحد المتحدثين إن هناك تصادمًا بين العلم والدين، وضرب مثلًا بالكنيسة وما جرى مع العلماء في زمان من الأزمنة. فقال له الدكتور الزنداني: (وماذا لو جئتك بشيء قاله نبينا منذ 1400 سنة يشير إلى حجم الأرض الحقيقي؟

 فقالما هو؟

 فقال: لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء فالحديث يشير إلى أن الأرض ليست مركز الكون، بل هي أقل من جناح بعوضة. بالنسبة للكون.

أيضًا، قال الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) [الطلاق: 12].

 نحن نعيش على أرض واحدة ونرى سماء واحدة، وهذه السماء التي نراها ليست هي السماء ذاتها، بل الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية، وبيننا وبين السماء ما لا يعلمه إلا الله.

ثم تأملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أطّت السماء وحق لها أن تئط، ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك راكع أو ساجد أو قائم، فإذا قامت الساعة قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك)

هذا الكون الممتد الفسيح، الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه كله بمثابة حلقة في صحراء واسعة بجانب كرسي الله.

وفي الحديث عن ابن مسعود، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء الأولى والثانية خمسمائة عام، ومثل ذلك حتى السماء السابعة، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، ثم بين الكرسي والماء خمسمائة عام، ثم العرش، ثم الله مستوٍ على عرشه، وهو أقرب إلى أحدكم من راحلته، لا يغيب عنه شيء سبحانه وتعالى.)

إذاً الإنسان فينا لو أراد إدراك عظمة هذا الكون فإنه سيعجز، لأن هذا أمر أكبر من ملكاتنا العقلية؛ إنما نأخذ الأمر بهذه الشكل المجمل لندرك عظمة الله، وسعة كرسيه السماوات والأرض.

عظمة خلق السماوات:

 الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما من موضع أربع أصابع إلا وفيها ملك راكع أو ملك ساجد أو ملك قائم، فإذا قامت الساعة قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك) 

صوت الأطيط هو صوت السقف إشارة إلى ثقله أو إلى كثرة الحركة عليه.

سبحان الله العظيم، ما من موضع أربع أصابع في هذه السماوات الواسعة الممتدة إلا وفيها مالا يحصيه أحد من الملائكة.

كم عدد الملائكة؟

أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تدخل البيت المعمور، وهو كعبة السماء أو كعبة الملائكة في السماء السابعة، المحاذية لكعبة الأرض.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيت المعمور كعبة الملائكة في السماء السابعة، لو سقط لسقط على الكعبة يدخل البيت المعمور كل يوم سبعون ألف ملك، ثم يخرجون ولا يعودون إليه إلى يوم القيامة.)

فكم عدد الملائكة؟

سبحان الله. وبحمده سبحان الله العظيم.

الكائنات الفضائية وعلاقتها بالجن:

موضوع الكائنات الفضائية وعلاقتها بالجن يثير فضول الكثيرين، وهو يدخل في دائرة الغيب التي لا يمكن الحسم فيها؛ إلا بما ورد عن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أو عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الصحيحة.

هل هناك مخلوقات أخرى غير الإنس والجن؟

نعم، الإسلام يُقرّ بوجود مخلوقات أخرى في هذا الكون إلى جانب الإنس والجن والملائكة، ومن الأدلة:

 قال الله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 8].

 فهذا النص يدل على أن الله يخلق أشياء ومخلوقات لا نعلمها.

وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) [الشورى: 29].

كلمة (دابة) تشير إلى كل ما يدب على الأرض أو في السماوات، مما يدل على احتمال وجود مخلوقات حية في أماكن أخرى غير الأرض.

الكائنات الفضائية والجن: هل هما شيء واحد؟

الجن مخلوقات خُلقت قبل الإنسان من نار، ولديهم قدرة على التخفّي والسرعة الفائقة، كما في قصة سليمان عليه السلام عندما قال عفريت من الجن: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ) [النمل: 39] فهم يعيشون معنا على الأرض، ولهم عالمهم الخاص، لكنهم يستطيعون الانتقال بسرعة وقدرتهم على الحركة لا تحتاج إلى مركبات أو وسائل نقل.

 لكن أريد أن أقول: ما خلق الله هذا الكون هكذا عبثًا، حاشاه سبحانه وتعالى. قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) [الأنبياء: 16]. المقصود هنا أن الله لم يخلق هذا الكون للعب أو العبث.

لو أردنا أن نقرب الفكرة، بعض الملوك، مثلًا، يبنون قصورًا كثيرة في كل مكان، من أجل الترفه أو التباهي، وهذه الأمور قد تكون عبثًا لا هدف لها سوى السمعة. لكن الله سبحانه وتعالى لا يخلق شيئًا عبثًا، كل شيء له حكمة.

أما بخصوص السؤال عن العوالم الأخرى غير الإنس والجن والملائكة، فلا شك أن هناك عوالم أخرى. الله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا الكون ليكون الإنسان في بقعة صغيرة منه فقط، وهي الأرض، ثم يكون بقية الكون مهجورًا.

بل لا شك أن هناك خلقًا آخر من خلق الله سبحانه وتعالى.

أيضًا، يقال إن هناك آلاف الشموس والأقمار الأخرى غير التي نعرفها في كوكبنا.

بالنسبة للقمر الذي زعموا أن أمريكا وروسيا صعدوا إليه، اكتُشف أنه بالنسبة لهذا الكون ليس إلا ضاحية صغيرة من ضواحي الأرض. 

تصور أن القمر، الذي أنفقت ملايين الدولارات للوصول إليه، ليس سوى نقطة قريبة جدًا في الفضاء الخارجي للأرض.

الخلاصة:

هدف هذا الكلام هو أن ندرك عظمة الله تعالى وسعة ملكه وجلاله سبحانه وتعالى، وأن نفهم معنى قوله: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة: 255].

 

نسأل الله أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 9 يناير, 2025 عدد الزوار : 13996 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين