شرح أسماء الله الحسنى: 77- الواحد 78- الأحد
أولا / المعنى اللغوي
الواحد أول عدد الحساب ، والواحد الذي لا ثاني له هو الله ، فهو واحد لا يتعدد لا شريك له في ملكه.
أما الأحد فهو : اسم فاعل أو صفة مشبهة للموصوف بالأحدية، فعله أحَّد يأحد تأحيدًا وتوحيدًا، أي حقق الوحدانية لمن وحده.
ثانيا / المعنى في حق الله تعالى
اسم الواحد معناه :هو الذي لا يتعدد ولذلك فإن الله واحد لا شريك له ولا نظير له ولا مثل، متفرد في ذاته وصفاته وأفعاله وألوهيته.
أما الأحد فهو الذي تفرد بكل كمال ومجد وجلال وجمال وحمد وحكمة ورحمة وغيرها من صفات الكمال، فليس له فيها مثيل ولا نظير ولا مناسب بوجه من الوجوه.
وهو سبحانه أحد لا يتجزأ ، فليس جزءا من غيره فهو غير مولود ، وليس له جزء منه فليس له ولد )( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ )، كما زعمت النصارى الذين يدعون أنهم يعبدون إلهاً واحداً في ثالوث وثالوثاً في واحد (الأب والابن والروح القدس) تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
ما الفرق بين اسمي الواحد والأحد؟
(الواحد والأحد) وإن كان اشتقاقهما واحدًا وبينهما معان مشتركة إلا أن بعض العلماء قد فرق بينهما؛ وذلك من الوجوه التالية:
الأول: أن الواحد اسم لمفتتح العدد، فيقال: واحد واثنان وثلاثة.
أما (أحد) فينقطع معه العدد فلا يقال: أحد اثنان ثلاثة.
الثاني: أن (أحدًا) في النفي أعم من (الواحد). يقال: ما في الدار واحد، ويجوز أن يكون هناك اثنان أو ثلاثة أو أكثر. أما لو قال: ما في الدار أحد فهو نفى وجود الجنس بالمرة، فليس فيها أحد ولا اثنان ولا ثلاثة ولا أكثر ولا أقل.
الثالث: لفظ (الواحد) يمكن جعله وصفًا لأي شيء أريد، فيصح القول: رجل واحد، وثوب واحد، ولا يصح وصف شيء في جانب الإثبات بأحد إلا الله الأحد: [قل هو الله أحد] فلا يقال: رجل أحد ولا ثوب أحد.
ثالثا / ورود الاسمين في القرآن والسنة
ورد اسم الله الواحد في القرآن الكريم أكثر من عشرين مرة، واقترن في ستة منها بالقهار، منها:
قوله تعالى : (قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) سورة الرعد:16
وقوله: ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) سورة غافر:16
وقوله : (قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) سورة الأنعام:19
وفي السنة تروي أم المؤمنين عائشة فتقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تضور من الليل قال: “لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار” (ابن حبان)
وقد ورد اسم الأحد مرة واحدة في القرآن الكريم: في سورة الإخلاص (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) [الإخلاص: 1]
وثبت في السنن أن رسول الله صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ سَمِع رجُلًا يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ بأنِّي أشهدُ أنَّكَ أنتَ اللَّهُ، لا إلَه إلاَّ أنتَ، الأحَدُ الصَّمَدُ، الَّذي لم يلِدْ ولَم يولَدْ، ولم يَكُنْ لَه كُفُوًا أحَدٌ، فقالَ: (لقد سألَ اللَّهَ باسمِهِ الَّذي إذا سُئلَ به أعطى، وإذا دُعِيَ بِه أجابَ) رواه أصحاب السنن بإسناد صحيح.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: «مَرَّ عَلَىَّ النبي صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَدْعُو بِأُصْبُعَيَّ فَقَالَ: أَحِّدْ أَحِّدْ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ»،رواه أبو داود وصححه الألباني ومعنى أحد أحد، أي أشر بواحدة ليوافق التوحيد المطلوب بالإشارة فهو تكرار للتأكيد في التوحيد، فالنبي صلى الله عليه وسلم يأمره أن يشير بأصبع واحدة لأن الذي يدعوه واحد
رابعا / تأملات في رحاب الاسمين
اسم الله الواحد معناه الإقرار لله بالوحدانية فلا إله غيره ولا رب سواه، فقد خلق الله الخلق، وأنـزل الكتب، وأرسل الرسل لعبادته وتوحيده قال تعالى : “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (الذريات:56).وقال سبحانه: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ” (الأنبياء:25).
تعريف التوحيد
التوحيد لغة: الإفراد، ولا يكون الشيء مفرداً إلا بأمرين: 1- الإثبات التام. 2- النفي العام.
فلو قلت: زيد قائم لم تفرده؛ لاحتمال أن يكون غيره قائماً أيضاً، لكن إن قلت: ما قائم إلا زيد، فقد أفردته بإثباتك القيام التام له، ونفيك العام للقيام عن غيره.
ما معنى كلمة “لا إله إلا الله”؟
معناها: لا معبودَ بحق إلا الله. لا إله: هذا نفي؛ نفي كل أنواع العبادة عن غير الله. إلا الله: هذا إثبات، إثبات استحقاق العبادة لله تعالى وحده.
ما معنى وحدانية الله عز وجل؟
وحدانية الله عز وجل تعني التوحيد بأنواعه الثلاثة:
1- توحيده سبحانه في ذاته وصفاته.
2- توحيده سبحانه في ربوبيته.
3- توحيده سبحانه في ألوهيته.
أولاً: في ذاته وصفاته:
هو إفراد الله بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ويقوم هذا التوحيد على ثلاثة أسس:
الأول: تنـزيه الله عن مشابهته الخلق، وعن أي نقص.
الثاني: الإيمان بالأسماء والصفات الثابتة في الكتاب والسنة، دون تجاوزها بالنقص منها أو الزيادة عليها أو تحريفها أو تعطيلها.
الثالث: قطع الطمع عن إدراك كيفية هذه الصفات .
فالله لا مثيل له ولا نظير له، لا في ذاته ولا في صفاته؛ ولذلك فإنه – تعالى وتقدس – لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، كما قال عزَّ من قائل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)} [سورة الإخلاص] وهذه السورة الكريمة العظيمة عرفت العباد بربهم، وقد أنزلها رب العباد، جوابًا لأهل الشرك والعناد، الذين سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم طالبين منه أن ينسب لهم ربّه.
ووحدانيته تعالى في صفاته، تدل على أنه لا مثيل له في رحمته ولا في عزته، وجبروته، وملكه، وقدرته، ورزقه، وعلمه، وغيرها من صفاته.
فالله متفرد في صفاته، والذين شبهوا صفات الخالق بصفات المخلوق، أو صفات المخلوق بصفات الخالق لم يوحدّوا ربهم – تبارك وتعالى -وأشركوا مع الله غيره، وقد ضل الذين نفوا عن الله صفاته بدعوى أن إثباتها يشبه الله بخلقه، فالله واحد متفرد في صفاته، وصفاته مخالفة لصفات المخلوقين، مثله في ذلك مثال ذاته، فهي مخالفة لذوات المخلوقين.
والذين نفوا عن الله صفاته بدعوى أن إثباتها يؤدي إلى التشبيه شبهوا الخالق بالعدم، فالذي تُنفى عنه الصفات معدوم، ولذلك قال أهل العلم من سلفنا: المشبه يعبد صنمًا، والمعطل يعبد عدمًا، ومرادهم بالمعطل نفاة الصفات.
ثانيًا: وحدانيته تعالى في ربوبيته:
وهو إفراد الله بالخلق، والملك، والتدبير، وهو -أيضا- توحيد الله بأفعاله، فهو سبحانه وحـده الذي خلق السماوات والأرض، وأنزل الماء من السـماء، وأنبت به جنات الأرض التي تبهـج النفوس وتسرها: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [سورة النمل 59-60] .
وقد أنكر الله على الذين اتخذوا أربابًا من دونه في قوله: { أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [سورة يوسف 39] . وقال مقررًا وحدانيته: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [سورة الرعد 16] .
ودليل إفراده بالخلق قوله -تعالى-: “هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ” (فاطر: من الآية 3)، وقوله: “أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ” (النحل: من الآية17).
ودليل إفراده بالملك قوله -تعالى-: “تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ” (الملك: من الآية1)، وقوله: “قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ “(المؤمنون: من الآية88).
ثالثًا: وحدانيته في ألوهيته:
وهو إفراد الله بالعبادة، ومبناه على إخلاص التأله لله -تعالى- في العبادات كلها ظاهرها وباطنها، لا يجعل فيها شيء لغيره، فالله هو المعبود الحق الذي يستحق العبادة دون سواه،قال تعالى : {وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ } [سورة النحل 51]
وهذا التوحيد هو الذي تضمنه قوله -تعالى-: “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ” (الفاتحة:5) ، وقوله: “فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ” (هود: من الآية123)، وقوله: “وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ” (الحجر:99)
ووحدانية الله أخص خصائص ألوهيته، والإقرار بالألوهية أعظم أنواع العبادة التي يتقرب بها إلى الله تعالى، ونقيض الوحدانية الشرك، وهو أعظم جريمة يرتكبها البشر، ولعظمها فإن الله لا يغفر لأحد مات على شركه: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [سورة النساء 48] وحرّم على المشرك الجنة، وهو خالد في النار لا يخرج منها أبدًا: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ ومأواه النار} [سورة المائدة 72]
فضل التوحيد؟
1- التوحيد يغفر الله به الذنوب ويكفِّر به السيئات:
ففي الحديث القدسي عن أنس رضي الله عنه يرفعه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنانَ السماء ثم استغفرتني، غفرتُ لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُرابِ الأرض خطايا ثم لقِيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتُك بقُرابها مغفرةً).
2- التوحيد أعظم أسباب دخول الجنة والنجاة من النار:
فعن عبادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهِدَ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريمَ ورُوحٌ منه، وأن الجنة والنار حقٌّ أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء) متفق عليه
3- التوحيد يسهِّل على العبد فعل الخير وترك المنكرات:
فالمُخْلِصُ لله في إيمانه وتوحيده تَخِفُّ عليه الطاعات؛ لِما يرجو من ثواب ربه ورضوانه، ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي؛ لِما يخشى من سخطه وعقابه، وكلما كمل التوحيد في القلب، زاد الإيمان في القلب، كلما كان الإنسان مقبلًا على طاعة الله، بعيدًا عما حرم الله عز وجل، تكون الطاعة خفيفة عليه، تسهُلُ عليه، حتى لو كان هناك مشقة، وحتى لو كان الأمر صعبًا فيه تعب وفيه مشقة، ولكن الإيمان الذي في قلبه، والتوحيد الذي في قلبه، وحب الله عز وجل الذي في قلبه – سيجعل هذه الأمور سهلة ويسيرة عليه.
4- التوحيد يخفف عن العبد المكارهَ ويهوِّن عليه الآلام والمصائب:
فبحسب كمال التوحيد والإيمان، يكون تلقي العبد للمكاره والآلام بقلب منشرح، ونفس مطمئنة، وتسليم ورضًا بأقدار الله المؤلمة.
فالتوحيد يخفف عن العبد المكاره والآلام التي قد تحصل له، والمصائب التي قد تحصل له في الدنيا، وبحسب كمال توحيد العبد وإيمانه، يكون انشراحه وطمأنينة قلبه عند حصول هذه المصائب؛ لأن الإنسان لما يعلم أن كل شيء بقدر الله عز وجل؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعتِ الأقلام، وجفَّتِ الصحف)، المؤمن في مصائبه يفزع إلى توحيده، إلى إيمانه، إن أصابه شيءٌ يفزع إلى إيمانه: (عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له)، فالإنسان عندما يحصل له بلاء، فإن توحيده لله عز وجل يهون عليه هذه المصائب، يعلم أن هذا حصل بقدر الله، وأن الله عز وجل كتب وقدَّر كل شيء عنده، وأن الله عز وجل حكيم في فعله، وأن الله عز وجل رحيم سبحانه وتعالى، وأنه ما أراد به إلا الخير، هذه المعاني لو استقرت ورسخت في القلب تُهَوِّن على الإنسان المصيبة.
5- أنه يحرر العبد من رِقِّ المخلوقين، والتعلق بهم والعمل لأجلهم:
فيكون متعبدًا لله تعالى وحده، لا يرجو سواه، ولا يخشى إلا إياه، ولا ينيب إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه، وبذلك تتحقق عبوديته لله تعالى وحده.
فالموحد لا يخاف إلا الله، لا يتوكل إلا على الله، لا يخشى إلا الله، يعلم أن الله عز وجل هو المتفرد بالنفع والضر، والعطاء والمنع، هو الذي يعطي ويمنع، هو الذي يخلق ويرزق، هو الذي يحيي ويميت، فيتوكل عليه ويلجأ إليه، يعلم أن الله عز وجل يعلم السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فيراقب الله عز وجل في أفعاله، وفي كلماته، ويحفظ لسانه، يحفظ حتى خطرات قلبه، الأشياء التي تخطر في قلبه لا بد أن تُرضِيَ الله عز وجل؛ لأنه يوحد الله تبارك وتعالى، يعلم أنه سميع وبصير، هذا يثمر له الخوف والمحبة، والتوكل والبعد عن المحرمات؛ يعني: هذه الأمور القلبية تثمر أيضًا عبادات وأعمالًا بالجوارح، يتقرب إلى الله عز وجل بالعبادة، يمتلئ قلبه برجاء الله تبارك وتعالى، والخوف من الله تبارك وتعالى، وتعظيم الله عز وجل، وهذا يثمر له أنواعًا أخرى من العبادة والتقرب إلى الله تبارك وتعالى؛ هذا كله من فضل التوحيد على أهله.
6- التوحيد سلامة للنفس من التمزق والصراع:
فالموحد تكون نفسه مطمئنة قد تميزت في الحياة وجهته، وتوحدت غايتها؛ فليس لها إلا إله واحد، تتجه إليه في الشدة والرخاء، وتدعوه في السراء والضراء، بخلاف المشرك الذي تقسَّمت قلبه الآلهة والمعبودات، فمرة يتجه إلى الأحياء، ومرة يتجه إلى الأموات؛ قال تعالى حكاية عن نبيه يوسف عليه السلام: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39] فالمؤمن يعبد إلهًا واحدًا، والمشرك يعبد آلهة عديدة، هذا يأخذه إلى اليمين، وهذا يأخذه إلى اليسار، وهو بينهم مشتت لا قرار له.
وضرب الله مثلا للمؤمن الموحد بالعبد الذي له سيد واحد، عرف ما يرضيه وما يسخطه، فجعل كل همه في إرضائه، واتباع ما يحبه وللمشرك بالعبد الذي يملكه شركاء متشاكسون، كل واحد يأمره بخلاف ما يأمره به الآخر، وكل يريد منه غير ما يريد صاحبه، فهمه شعاع، وقلبه أوزاع، قال تعالى: (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا، الحمد لله، بل أكثرهم لا يعلمون).
ومعنى “سلما” له: أي خالصا له لا يشاركه فيه أحد.
وبهذا تحرر الإنسان المؤمن ـ بإخلاصه العبودية لله ـ من تعاسة العبودية لغيره: “تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد القطيفة” وسعد بالعبودية لله وحده.
لقد جمع همومه في هم واحد هو رضوان الله تعالى، وجعل نيته وقصده في الآخرة، فهان عليه كل ما يلقى في هذه الدنيا.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من جعل الهموم هما واحدا، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبته الهموم، لم يبال الله في أي أدوية الدنيا هلك”. حسنه الألباني
ومعنى: تشعبته الهموم: توزعته وتقسمت قلبه وإرادته: بين المال والجاه والشهوات وما أكثرها، بخلاف المؤمن الذي ركز كل همه في إرضاء ربه.
7- التوحيد مصدر للأمن والاهتداء:
إن الموحد الذي وحد الله، وتخلص من الشرك قولًا وعملًا واعتقادًا – يحصل له الهدى الكامل، والأمن التام في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]؛ الذين آمنوا: يعني: وحدوا الله عز وجل، ولم يلبسوا: يعني: لم يخلطوا إيمانهم، بظلم: يعني: بشركٍ، ماذا سيكون لهم؟أولـئك لهم الأمن وهم مهتدون؛ لأن التوحيد يملأ نفس صاحبه أمنًا وطمأنينة، فلا يخاف غير الله، وقد سدَّ منافذ الخوف على الرزق والنفس والأهل، والخوف من الإنس والجن والموت، وغيرها من المخاوف، والمؤمن الموحد لا يخاف أحدًا إلا الله؛ ولهذا تراه آمنًا إذا خاف الناس، مطمئنًا إذا قلِقَ الناس.
خامسا / ثمرات الإيمان بهذا الاسم الجليل
1- العناية بكلمة التوحيد؛ “لا إله إلا الله”:
وكثرة ترديدها، وذلك لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله” (الترمذي)، وعن أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة” (متفق عليه) وقال أيضا : ( جدِّدُوا إيمانَكمْ قِيلَ: يا رسولَ اللهِ وكيفَ نُجَدِّدُ إيمانَنا؟ قال: أكْثِرُوا من قولِ لا إلهَ إلّا اللهُ) وقال: (ما قال عبدٌ لا إله إلا الله قَطّ مخلصاً، إلا فُتِحت له أبوابُ السماء حتى تُفْضيَ إلى العرشِ، ما اجْتَنبَ الكبائرَ) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وقال: (أَفضلُ الذِّكرِ لا إله إلا الله، وأفضلُ الدعاءِ الحمدُ لله) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
2- التوسل لله باسميه الواحد والأحد:
عن بريدة بن الحصيب أنه قال:«سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ لَقَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ» رواه ابن ماجة وصححه الألباني
3- تحقيق التوحيد الكامل لله:
بإفراد الله تعالى بربوبيته ، فهو المنفرد بالخلق والملك والتدبير ، ثم يتبع هذا ، ألا نشرك به شيئا في العبادة ونعمل لوجهه الكريم، ونحرص على الإخلاص له سبحانه في أقوالنا وأعمالنا، وعندما يستقر هذا المعتقد في القلب ، فلابد أن يظهر ذلك في أقوال العبد، وأفعاله، وجوارحه كلها فلا يسجد، ولا يركع، ولا يصلي إلا لله وحده لا شريك له ، ولا يرجو، ولا يدعو، ولا يسأل إلا الله – عز وجل – ولا يستغيث ، ولا يستعين ، ولا يستعيذ إلا بالله وحده ، ولا يتوكل إلا عليه وحده.
4- تعلق القلوب بخالقها ومعبودها :
وتوجهها له وحده لا شريك له، لأنه (الواحد الأحد) الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتها وضروراتها ، وهو القادر على كل شيء، والمالك لكل شيء، والمتصرف في كل شيء، وهذا الشعور يريح القلوب من شتاتها واضطرابها ، ويجعلها تسكن إلى ربها ومعبودها ، وتقطع التعلق بمن لا يملكون شيئًا ، ولا يقدرون على شيء إلا بما أقدرهم الله عليه، ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا ؛ فضلاً عن أن يملكوه لغيرهم !!
وهذا الشعور يجعل العبد يقطع قلبه من التعلق بالمخلوق ، ويوحد وجهته، وطلبه، وقصده لخالقه، وبارئه، ومعبوده (الواحد الأحد الصمد)، فيستريح ويطمئن، لأنه أسلم وجهه وقلبه لله وحده، ولم يتوجه لوجهات متعددة ، وشركاء متشاكسين ، يعيش بينهم في حيرة وقلق وصراع مرير .
اماني عثمان
رائع