(4) سنة دعاء الاستفتاح
دعاء الاستفتاح هو الدعاء الذي يُقال بعد تكبيرة الإحرام مباشرة وقبل قراءة الفاتحة في الصلاة، وهو من السنن وليس من الأركان، فإن قاله المصلي فهو مأجور، وإن تركه فصلاته صحيحة.
الحكمة من الاستفتاح :
- تمهيد للدخول على الله في الصلاة، فهو كالتحية بين يدي المولى عز وجل.
- تذكير بالنية والإخلاص، خصوصًا في صيغة “وجهت وجهي…”.
- استغفار وتطهير للنفس، كما في دعاء “اللهم باعد بيني وبين خطاياي”.
- تثبيت الخشوع وتهيئة القلب لقراءة القرآن.
موضعه في الصلاة
يُقال بعد تكبيرة الإحرام مباشرة، قبل قراءة سورة الفاتحة، في الركعة الأولى فقط من كل صلاة، ويقال في الفرض والنفل.
والسنة فيه أن يكون سراً إلا إذا أراد الإمام تعليم الناس كما فعل عمر – رضى الله عنه- حين جهر به فقد روى مسلم أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول : (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك )
ألفاظه :
يندب للمصلي أن يأتي بأي دعاء من الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم ويستفتح بها الصلاة ، بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة.
ونحن نذكر بعضها فيما يلي :
- عن عمر: أنه كان يقول بعد تكبيرة الإحرام : ( سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ) رواه النسائي وأحمد وصححه الألباني
قال ابن القيم : صح عن عمر أنه كان يستفتح به في مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، ويجهر به ويعلمه الناس ، وهو بهذا الوجه في حكم المرفوع
وقد استحبه الإمام أحمد عن غيره من الأذكار وذكر ابن القيم في زاد المعاد لذلك وجوها منها :
أ- اشتماله على أفضل الكلام بعد القرآن فإن أفضل الكلام بعد القرآن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وقد تضمنها هذا الاستفتاح مع تكبيرة الإحرام .
ب- أنه استفتاح أخلص للثناء على الله وغيره متضمن للدعاء والثناء أفضل من الدعاء ، ولهذا كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لأنها أخلصت لوصف الرحمن والثناء عليه .
شرح الذكر :
(سبحانك) اسمُ مصدر من سَبَّحَ يُسبِّحُ، والمصدر تَسْبيح، واسمُ المصدر سُبحان، أي أنزهك وأقدسك عن كل نقص أو عيب، فالتسبيح معناه التنزيه التام لله تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله سبحانك.
(اللهم): نداء لله تعالى، وهو مختصر من “يا الله”.
(وبحمدك) أي أحمدك وأثني عليك بما يليق بك، فالتسبيح يتضمن التنزيه، والتحميد يتضمن إثبات صفات الكمال لله.
(وتبارك اسمك) أي كثر خيرك وعمت بركاتك.
(اسمك): أي أن ذكر اسم الله يجلب البركة والخير، ويحقق النفع للعباد.
(وتعالى): أي ارتفع وعَظُم.
(جدك): أي عظمتك وجلالك وسلطانك.
(ولا إله غيرك) معناها لا معبود بحقٍ سواك يا الله.
- عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة (وقتا قصيرا ) قبل القراءة فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟
قال : أقول : ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، أللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس ، أللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد . ) رواه البخاري ومسلم.
شرح الذكر :
ومعناه: أنه سأل الله أن يُباعد بينه وبين خطاياه؛ كما باعَدَ بين المشرقِ والمغربِ، والمباعدة بين المشرق والمغرب هو غاية ما يبالغ فيه النَّاسُ، فالنَّاسُ يبالغون في الشيئين المتباعدين إمَّا بما بين السماء والأرض، وإما بما بين المشرقِ والمغربِ، ومعنى «باعِدْ بيني وبين خَطَاياي» أي: باعِدْ بيني وبين فِعلِها بحيث لا أَفْعَلُها، وباعِدْ بيني وبين عقوبِتها.
وقوله: «اللَّهُمَّ نقِّني مِن خطاياي كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنس»، أي: كما يُغسل الثوبُ الأبيضُ إذا أصابه الدَّنس فيرجع أبيض، وإنما ذَكَرَ الأبيضَ؛ لأن الأبيض هو أشدُّ ما يؤثِّر فيه الوسخ؛ بخلاف الأسود.
قال: “اللَّهُمَّ اغسلْنِي مِن خطاياي بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ”.
معنى ذلك: أن الجملة الأولى في المباعدة، أي: ألا أفعل الخطايا، ثم إن فعلتها فنقني منها، ثم أزل آثارها بزيادة التطهير بالماء والثلج والبرد، فالماء لا شك أنه مطهر، لكن الثلج والبرد مناسبته هنا أن الذنوب آثارها العذاب بالنار، والنار حارة، والحرارة يناسبها في التنقية منها الشيء البارد، فالماء فيه التنظيف، والثلج والبرد فيهما التبريد.
- وعن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في التطوع : الله أكبر كبيرا ، ثلاث مرات ، والحمد لله كثيرا ، ثلاث مرات ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، ثلاث مرات . اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفثه ونفخه ) رواه أحمد.
شرح الذكر :
الله أكبر كبيرًا” أي أن الله أعظم من كل شيء، لا شيء يعلوه ولا يُضاهيه في العظمة.
“كبيرًا “: تأكيد على مدى عظمة الله، أي أن عظمته ليست محدودة، بل هي مطلقة وكبيرة بلا حد.
تكرارها ثلاث مرات: فيه تأكيد على تمجيد الله وتعظيمه، لأن التكبير من أعظم الأذكار، وهو شعار التوحيد.
“والحمد لله كثيرًا “أي الثناء الكامل لله على جميع نعمه وظاهره وباطنه.
“كثيرًا”: أي أن حمد الله لا يُعد ولا يُحصى، فله الحمد في كل لحظة وعلى كل حال.
تكرارها ثلاث مرات: لأن الله يستحق الحمد دائمًا وأبدًا، في السراء والضراء، وفي كل حال.
“وسبحان الله بُكرة وأصيلًا”أي تنزيه الله عن كل نقص، فهو الكامل في ذاته وصفاته وأفعاله.
“بُكرة وأصيلًا”: أي في أول النهار وآخره، وهذا يشير إلى دوام التسبيح واستمراره في كل الأوقات.
بُكرة: أي في الصباح الباكر، حيث يبدأ الإنسان يومه بذكر الله.
وأصيلًا: أي في المساء وقبيل الغروب، حيث يختم الإنسان يومه بذكر الله.
- وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أُمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبّيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك) رواه مسلم.
شرح الدعاء:
“وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين” أي أقبلت بقلبي وعملي وتوجهي خالصًا لله وحده الذي خلق السماوات والأرض مائلًا عن كل باطل ودين منحرف متبعًا دين الإسلام مخلصًا لله وليس في قلبي ميلٌ إلى الشرك أو انحرافٌ عن التوحيد.
“إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين” أي كل صلاتي وذبحي وعبادتي وحياتي ومماتي كلها خالصة لله وحده لا شريك له في شيء من ذلك فأنا عبدٌ لله في كل شأني في عبادتي ودنياي وآخرتي.
“لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا من المسلمين” أي أعبده وحده لا شريك له وهذا هو أمر الله لي ولجميع خلقه.
“اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك” إقرارٌ بتوحيد الله في ربوبيته وملكه فهو الملك الحقيقي لا معبود بحق سواه وهو ربي الذي رباني بنعمه وأنا عبدك الفقير الخاضع لك.
“ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعًا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت” اعترافٌ بالتقصير والذنب وطلب للمغفرة من الله وحده لأنه لا أحد يغفر الذنوب سواه وهذا من الخضوع والافتقار له تبارك وتعالى.
“واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت” دعاء بالهداية إلى أجمل وأكمل الأخلاق وطلب من الله أن يُبعد عنه الأخلاق الذميمة لأن تهذيب النفس لا يكون إلا بتوفيق الله
“لبّيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك” لبّيك وسعديك تعني إجابة وطاعة لك بعد طاعة واستسلام لك بعد استسلام والخير كله في يديك أي كل نعمة وخير في الدنيا والآخرة هو من فضلك وحدك ، والشر ليس إليك أي لا يُنسب إليك الشر تأدبا وإن كنت خالقه لحكمة فكل ما تقدّره خير ولو بدا للناس شرًا، وأنا بك وإليك أي أنا قائم بك مستعين بك وكل أمري يرجع إليك وحدك، وتباركت وتعاليت أي عظمت أسماؤك وجلّت صفاتك وارتفعت فوق كل نقص وأستغفرك وأتوب إليك أي أطلب مغفرتك وأرجع إليك نادمًا عن كل ذنب وتقصير.
أي هذه الأدعية يختار ؟
لا بأس بالتنوع بأيها أو بالجمع بين بعضها فهذا كمن أمامه طبق فاكهة فيأكل مما طابت به نفسه ومثل هذا يقال في أذكار الركوع والسجود أيضاً فكله وارد عن رسول الله .
