عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من دخل السوق، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة وبَنَى له بيتًا في الجنةِ . رواه الترمذي وحسنه الألباني في الكلم الطيب
ما معنى هذا الذكر ؟
” لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ “ لا معبود بحق إلا الله عز وجل.
” وَحْدَهُ” تأكيد لهذا المعنى .
“لَا شَرِيكَ لَهُ “تأكيد للنفي ، فـ(وحده )تأكيد للاثبات و(لا شريك له) تأكيد للنفي لأن لا إله إلا الله اشتملت على النفي (لا إله) والاثبات (إلا الله)
فـ(لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) لا في ألوهيّته، ولا في ربوبيّته، ولا أسمائه وصفاته، ولا أفعاله، فإنّما يحتاج إلى الشّريك الفقير الضّعيف، والله هو الغنيّ القويّ.
” لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ” المقصود بها تخصيص الملك لله وحده وكذلك الحمد لا يكون إلا له وحده ، كما نقول في الفاتحة : -( إياك نعبد وإياك نستعين )- [الفاتحة/5]
ومعنى ( لَهُ المُلْكُ ): فلا يستحقّ العبادةَ إلاّ من كان له الملك وحدَه؛ ولذلك قال عزّ وجلّ:{ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سبأ: من 22]، فالمعنى : له الملك كله وحده لا منازع له فيه ، له ملك السماوات والأرض وما بينهما .
وقد فقه الاعرابي حينما سئل عن قطيع الغنم ، لمن هذه ؟ قال : لله في يدي .
( وَلَهُ الحَمْدُ ): وله الحمد يعني الكمال المطلق على كل حال فهو جل وعلا محمود على كل حال في السراء وفي الضراء أما في السراء فيحمد الإنسان ربه حمد شكر وأما في الضراء فيحمد الإنسان ربه حمد تفويض لأن الشيء الذي يضر الإنسان قد لا يتبين له وجه مصلحته فيه ولكن الله تعالى أعلم فيحمد الله تعالى على كل حال ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه ما يسره قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه ما لا يسره قال الحمد لله على كل حال .
(يحيي ويميت) أى : هو الخالق للحياة لمن شاء أن يحييه ، وهو الخالق للموت لمن أراد أن يميته .
(وهو حي لا يموت) فاللهَ تبارك وَتَعَالَى حيٌّ أبدًا لا يموتُ والجنُّ والِإنسُ يموتون، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]
(بيده الخير) أيْ: بِيَدِه الخَيْرُ لا بِيَدِ غَيْرِه وأصْلُهُ بِيَدِه الخَيْرُ والشَّرُّ، فَحُذِفَ لِدَلالَةِ أحَدِهِما عَلى الآخَرِ، كَما قالَ: ﴿تَقِيكُمُ الحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] أي تقيكم الحر والبرد.
( وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء .
كتب له ألف ألف حسنة: أي كتب له مليون حسنة في صحيفته .
ومحا عنه ألف ألف سيئة: أي محي عنه مليون سيئة في صحيفته.
ورفع له ألف الف درجة: أي رفع مليون درجة في الجنة. ومعنى رفع الدرجة (الواحدة): هو إعطاؤه من المنازل التي فوق منزلته, (التي حصلت له قبل هذا الدعاء)
السوق معناه كل ما فيه بيع وشراء, مهما كان حجمه (صغيرا أو كبيرا, يومي أو أسبوعي…) ومهما كان نوعه (الخضر والفواكه, الماشية, السيارات, التموين, …)
ولا عجب من هذا الأجر العظيم مقابل هذا الذكر اليسير, فهذا من فضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم, يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم. فلا تتهاون ولا تغفل عن هذا الكنز العظيم واحرص عليه كل الحرص حتي لا يفوتك هذا الخير العظيم، فقد كان الصحابة والسلف الصالح يتعمدون المرور بالأسواق لا لبيع ولا لشراء ولا لحاجة أخرى ، وإنما لذكرالله ، وقول هذا الدعاء فقط ثم ينصرفون.
فيسن هذا الدعاء عند دخول السوق او أي مكان فيه بيع وشراء .
والحكمة في حصول هذا الأجر العظيم :
أنه لما كان أهل السوق مشتغلين بالتجارات والمكاسب, وهم في غفلة عن ربهم, بل أكثرهم مبتلون بالأيمان الكاذبة ، وكان هذا بينهم ممن ذكر الله تعالى, واشتغل بأمر الآخرة مخالفة لهم وتعظيما لربه عز وجل, فحصل له هذا الأجر العظيم.
وفيه دليل على استحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة ، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة ، وذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة .
وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يدخل السوق من أجل أن يسلم على الناس ويسلموا عليه ليحظى بثواب ذلك؛ لما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، قال: حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن المنهال عن مجاهد عن ابن عمر، قال: إني كنت لأخرج إلى السوق ومالي حاجة إلا أن أسلم ويسلم علي.