ما هي أفضل وجوه الخير للصدقات؟
الجواب
هذا سؤال جيد وفائدته كبيرة
أبواب الصدقة كثيرة، وطرق البذل متنوعة، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده، وقد قال تعالى: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ .{البقرة:272}، ومن فقه المتصدق أن يبحث عن أفضل مصارف الصدقة، ويدفعها إلى من تزكو به ويعظم أجره بدفعها إليه.
وقد عد أبو حامد في الإحياء ستا من الصفات التي يجعل الدفع إلى المتصف بها أعظم أجراً وأكبر مثوبة:
الأولى: أن يطلب الأتقياء المعرضين عن الدنيا المتجردين لتجارة الآخرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي. أخرجه أبو داود والترمذي، وذلك لأن التقي يستعين به على التقوى فتكون شريكاً في طاعته بإعانتك إياه.
الصفة الثانية: أن يكون من أهل العلم خاصة فإن ذلك إعانة له على العلم، والعلم أشرف العبادات مهما صحت فيه النية، وكان ابن المبارك يخصص بمعروفه أهل العلم فقيل له لو عممت، فقال: إني لا أعرف بعد مقام النبوة أفضل من مقام العلماء، فإذا اشتغل قلب أحدهم بحاجته لم يتفرغ للعلم ولم يقبل على التعلم فتفريغهم للعلم أفضل.
الصفة الثالثة: أن يكون صادقاً في تقواه وعلمه بالتوحيد وتوحيده أنه إذا أخذ العطاء حمد الله عز وجل وشكره ورأى أن النعمة منه ولم ينظر إلى واسطة فهذا هو أشكر العباد لله سبحانه وهو أن يرى أن النعمة كلها منه.
الصفة الرابعة: أن يكون مستتراً مخفياً حاجته لا يكثر البث والشكوى، أو يكون من أهل المروءة ممن ذهبت نعمته وبقيت عادته فهو يتعيش في جلباب التجمل، قال الله تعالى: يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا أي لا يلحون في السؤال لأنهم أغنياء بيقينهم أعزة بصبرهم، وهذا ينبغي أن يطلب بالتفحص عن أهل الدين في كل ملحة ويستكشف عن بواطن أحوال أهل الخير والتجمل، فثواب صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال.
الصفة الخامسة: أن يكون معيلا أو محبوسا بمرض أو بسبب من الأسباب فيوجد فيه معنى قوله عز وجل: للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله أي حبسوا في طريق الآخرة بعيلة أو ضيق معيشة أو إصلاح قلب لا يستطيعون ضربا في الأرض لأنهم مقصوصو الجناح مقيدو الأطراف، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي الآهل حظين من الفيء، ويعطي العزب حظا كما في سنن أبي داود.
الصفة السادسة: أن يكون من الأقارب وذوي الأرحام فتكون صدقة وصلة رحم، وفي صلة الرحم من الثواب ما لا يحصى، وفي الحديث: الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة. أخرجه الترمذي.
قال الغزالي بعد ذكر ما تقدم ونقلناه عنه بتصرف: فليراع هذه الدقائق فهذه هي الصفات المطلوبة، وفي كل صفة درجات فينبغي أن يطلب أعلاها، فإن وجد من جمع جملة من هذه الصفات فهي الذخيرة الكبرى والغنيمة العظمى. انتهى.
والصدقة كذلك في مصالح المسلمين العامة، كبناء المساجد حيث احتيج إليها، والإنفاق في سبيل الله تعالى ونصرة دينه ونشر الدعوة الاسلامية له من الأجر ما لا يعلمه إلا الله، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونّ {10-11}، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ومن الجهاد في سبيل الله نشر العلم والدعوة إلى الله تعالى، فإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً)، أي بالقرآن، فإنفاق المال في هذا الباب من أعظم ما يستحق به الأجر ويحصل به الثواب لما يعود به من النفع العميم على المسلمين في أمر دينهم.
وبالجملة فمن استعان بالله أعانه، ومن تحرى الخير جهده وفقه الله إليه، كما في الحديث: (ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه.) أخرجه الدارقطني وغيره، وذكره الألباني في صحيح الجامع.