إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله

تاريخ الإضافة 5 أكتوبر, 2023 الزيارات : 21616

إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله

ما زلنا نتناول بعون الله ومدده شرح هذه الوصية الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، ونستنبط ما فيهامن فوائد ودروس .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال لي : ( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك إن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح

إذا سألت فاسأل الله

وهذا مقتبس من قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) فإن السؤال هو دعاؤه والرغبة إليه .

وفي الحديث عن النعمان بن بشيرعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الدعاء هو العبادة) رواه أحمد

ومن حديث أنس بن مالك بلفظ آخر (الدعاء مخ العبادة )لكنه ضعيف الإسناد

لماذا كان الدعاء هو العبادة؟

هذا كقوله الحج عرفة فأكبر مظهر من مظاهر العبادة الدعاء لماذا ؟

لأن الدعاء فيه من التضرع إلى الله وإظهار الضعف والحاجة إليه أعظم ما يكون من العبد، فلذلك كان هو العبادة.

وكان الإمام أحمد يدعو قائلا : ( اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك ولا يقدر على كشف الضر وجلب النفع سواك )

ودعاء المسألة يكون العبد فيه أخشع ما يكون وفِكْره حاضر، وكلما كان الفكر والقلب حاضرا في العبادة، كلما كان صاحبها أقرب إلى الله،فمن كان قلبه حاضرًا، كان دعاؤه مستجابًا.

أيضًا الدعاء هو العبادة لأن الدعاء ملازم للتوكل وللاستعانة، فإن التوكل هو اعتماد القلب على الله، والاستعانة هي اللجوء إليه طلباً للعون، والتعبير عن هذين الأمرين -التوكل والاستعانة- سيكون باللسان دعاءً وطلبًا، والتوكل مِن أعظم العبادات؛ لذلك كان الدعاء هو العبادة.

ومما نعلمه: أن الله من رحمته بعباده أن ينزل عليهم الحاجات، ويضيق عليهم أمور، من أجل أن يخرج منهم هذا الدعاء.

ولابد أن تتصور أن الداعي لمّا يدعو الله، من المؤكد أنه يدعوه لمصلحة ومنفعة تلحقه في الدنيا أو الآخرة.

 

لذلك كان بعض السلف يقول: إنه تكون لي حاجة إلى الله فأدعوه فيفتح لي من لذيذ مناجاته ما أتمنى أن حاجتي لم تُقضَ!، لماذا ؟

يخشى من انصراف قلبه عن هذه اللذة، يخشى أنه إن حُقّق له مراده يقع في قلبه برود تجاه الدعاء.

 

لذلك من النعم عليك أن يورثك الله حاجة تلجأ بها إليه.

ومما نراه بتكرار: أن كثير من الناس يجدون في قلوبهم ثُقلاً للدعاء، وما يثقله عليهم إلا الشيطان، فلابد أن لا تقتصر في قصدك ونيتك أثناء الدعاء على حصول المطلوب من أجل أن لا يسيطر عليك الشيطان.

 

وأنت تدعو اجمع قلبك أن تقصد التقرب إلى الله بالدعاء وأن تقصد عبادته التي هي أعلى الغايات.

 

فعلى هذا تكون على يقين من نفع الدعاء، وأن الدعاء هو العبادة وخلاصتها، فالدعاء يجذب القلب إلى الله، وتلجئك الحاجة للخضوع والتضرع له.

 

وهذا المقصود الأعظم من الدعاء أن تبقى خاضعاً متذللاً منكسراً؛ ولذلك يبغضه الشيطان ويثقله عليك.

 

وهذا الدعاء الذي فيه ذل وانكسار وطلب، أكمل بكثير من كثير من أحوال العبادة.

 

ومما يعين على أن يكون دعاءنا نافعا: أن نفهم ما ندعو به، لأن فهم الدعاء يجعل القلب يجتمع أكثر عليه.

 

والله سبحانه يحب أن يُسأل ويرغب إليه في الحوائج ويلح في سؤاله ودعائه ويغضب

alt

على من لا يسأله ويستدعي من عباده سؤاله وهو قادر على إعطاء خلقه كلهم سؤلهم من غير أن ينقص من ملكه شيء والمخلوق بخلاف ذلك يكره أن يسأل ويحب أن لا يسأل لعجزه وفقره وحاجته

قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } ( سورة البقرة : من الآية 186) .

 

وجاء في الحديث عن سلمان عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال : ” إن ربكم حييٌّ كريمٌ يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه، فيردّهما صفراً أو قال : خائبتين ” رواه ابن ماجة

 

وعن أبي هريرة مرفوعا (من لا يسأل الله يغضب عليه)صححه الألباني

 

وفي حديث آخر (يسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع) أخرجه البزار

وشسع النعل : السير الذي يشد به

وأخذ بعضهم هذا المعنى فقال :

الله يغضب إن تركت سؤاله —- وبني آدم حين تسأله يغضب

فلا تسألن بني آدم حاجة —-وسل الذي أبوابه لا تحجب

لم أطلب حوائج الدنيا ممن يملكها

التقى الخليفة سليمان بن عبد الملك عند الكعبة بسالم بن عبد الله بن عمر وقد استغرق في صلاته وتسبيحه وركن بعدها إلى جدار وقد انشغل بذكر الله ….فقال له سليمان: سلني حاجة أقضها لك!

فلم يجب سالم… فكرر سليمان عليه القول ..

فقال سالم: والله لأستحي أن أكون في بيت الله عز وجل ثم أسأل أحد غيره !…

فانتظر سليمان حتى خرجوا من الكعبة وكرر عليه قائلا: ها نحن قد خرجنا من المسجد فسلني حاجة أقضيها لك!

قال سالم: أمن حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟

استغرب سليمان وأخذته الدهشة وقال: بل من حوائج الدنيا يا سالم! .. فنظر إليه وابتسامة عريضة على شفتيه وقال: إنني لم أطلب حوائج الدنيا ممن يملكها ، فكيف اطلبها ممن لا يملكها؟ !!!

الثناء والتمجيد وإظهار الافتقار إلى الله في الدعاء  :

يقول ابن القيم في مدارج السالكين : علّم الله عباده كيفية سؤاله وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم :

توسل إليه بأسمائه وصفاته

وتوسل إليه بعبوديته .

وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء ويؤيدهما الوسيلتان المذكورتان في حديثي الاسم الأعظم اللذين رواهما ابن حبان في صحيحه والإمام أحمد والترمذي.

أحدهما: حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: “سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو ويقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال: والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى” قال الترمذي: حديث صحيح

فهذا توسل إلى الله بتوحيده وشهادة الداعي له بالواحدانية وثبوت صفاته المدلول عليها باسم {الصَّمَدُ} وهو كما قال ابن عباس: “العالم الذي كمل علمه القادر الذي كملت قدرته”

والثاني: حديث أنس “أن رسول الله سمع رجلا يدعو: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنّان بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام ياحي يا قيوم فقال: لقد سأل الله باسمه الأعظم” فهذا توسل إليه بأسمائه وصفاته.

وقد جمعت الفاتحة الوسيلتين وهما التوسل بالحمد والثناء عليه وتمجيده والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده ثم جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب وهو الهداية بعد الوسيلتين فالداعي به حقيق بالإجابة.

ونظير هذا: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو به إذا قام يصلي من الليل رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس “اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق والساعة حق ومحمد حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت” فذكر التوسل إليه بحمده والثناء عليه وبعبوديته له ثم سأله المغفرة.ا.هـ

ومثال ذلك أيضا الحديث الذي رواه ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما قال عبد قط إذا أصابه هم أو حزن : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحا ) قالوا : يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هذه الكلمات ؟ قال : ( أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن ) رواه أحمد وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح

وهذه أبيات للفقيه الشافعي أبو بكر الشيرازي

 
قصدت باب الرجا والناس قد رقدوا —- وبت أشكوا إلى مولاي ما أجد
وقلت يا أملي في كل نائبة —- يا من إليه لكشف الضر اعتمد
اشكوا إليك أمورا أنت تعلمها —  مالي على حملها صبرا ولاجلد
وقد بسطت يدي بالذل مفتقرا —  إليك ياخير من مدت اليه يد
فلا تردنها يارب خائبة —   فبحر جودك يروي كل من يرد

 

{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً}الأعراف 55

وذكر الله نبيه زكريا فقال: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً}”.مريم 3
يقول ابن القيم رحمه الله – في كتاب بدائع الفوائد-مختصرا
وفي إخفاء الدعاء فوائد عديدة:
أحدها: أنه أعظم إيمانا لأن صاحبه يعلم أن الله تعالى يسمع دعاءه الخفي وليس كالذي قال أن الله يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا.

ثانيها: أنه أعظم في الأدب والتعظيم ولهذا لا تخاطب الملوك ولا تسأل برفع الأصوات وإنما تخفض عندهم الأصوات ويخف عندهم الكلام بمقدار ما يسمعونه ومن رفع وصوته لديهم مقتوه ولله المثل الأعلى فإذا كان يسمع الدعاء الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به.


ثالثها: أنه أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده فإن الخاشع الذليل الضارع إنما يسأل مسألة مسكين ذليل قد انكسر قلبه وذلت جوارحه وخشع صوته حتى إنه ليكاد تبلغ به ذلته ومسكنته وكسره وضراعته إلى أن ينكسر لسانه فلا يطاوله بالنطق فقلبه سائل طالب مبتهل ولسانه لشدة ذله وضراعته ومسكنته ساكت وهذه الحالة لا يتأتى معها رفع الصوت بالدعاء أصلا.

رابعها: أنه أبلغ في الأخلاص.

خامسها: أنه أبلغ في جمعه القلب على الله تعالى في الدعاء فإن رفع الصوت يفرقه ويشتته فكلما خفض صوته كان أبلغ في صمده وتجريد همته وقصده للمدعو سبحانه وتعالى.

سادسها: وهو من النكت السرية البديعة جدا أنه دال على قرب صاحبه من الله وأنه لاقترابه منه وشدة حضوره يسأله مسألة أقرب شيء إليه فيسأله مسألة مناجاة للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد؛ ولهذا أثنى سبحانه على عبده زكريا بقوله: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} فكلما استحضر القلب قرب الله تعالى منه وإنه أقرب إليه من كل قريب وتصور ذلك أخفى دعاءه ما أمكنه ولم يتأت له رفع الصوت به بل يراه غير مستحسن كما أن من خاطب جليسا له يسمع خفي كلامه فبالغ في رفع الصوت استهجن ذلك منه، ولله المثل الأعلى سبحانه وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بعينه بقوله في الحديث الصحيح لما رفع الصحابة أصواتهم بالتكبير وهم معه في السفر فقال: “اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصما ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته”

وقال تعالى: {وَإذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ}.

وقد جاء أن سبب نزولها أن الصحابة قالوا: يا رسول الله ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟

فأنزل الله عز وجل: {وَإذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ}، وهذا يدل على إرشادهم للمناجاة في الدعاء لا للنداء الذي هو رفع الصوت فإنهم عن هذا سألوا فأجيبوا بأن ربهم تبارك وتعالى قريب لا يحتاج في دعائه وسؤاله إلى النداء وإنما يسأل مسألة القريب المناجي لا مسألة البعيد المنادي .

سابعها: أنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال فإن اللسان لا يمل والجوارح لا تتعب بخلاف ما إذا رفع صوته فإنه قد يكل لسانه وتضعف بعض قواه وهذانظير من يقرأويكرر رافعا صوته فإنه لا يطول له ذلك بخلاف من يخفض صوته.
ثامنها: أن إخفاء الدعاء أبعد له من القواطع والمشوشات والمضعفات فإن الداعي إذا أخفى دعاءه لم يدر به أحد فلا يحصل هناك تشويش ولا غيره .

تاسعها: إن أعظم النعم الإقبال على الله والتعبد له والانقطاع إليه والتبتل إليه ولكل نعمة حاسد على قدرها دقت أو جلت ولا نعمة أعظم من هذه النعمة فأنفس الحاسدين المنقطعين متعلقة بها وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد وأن لا يقصد إظهارها له، وقد قال يعقوب ليوسف: {لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} وكم من صاحب قلب وجمعية وحال مع الله قد تحدث بها وأخبر بها فسلبه إياها الأغيار فأصبح يقلب كفيه ولهذا يوصى العارفون والشيوخ بحفظ السر مع الله وأن لا يطلعوا عليه أحدا ويتكتمون به غاية التكتم .

عاشرها: أن الدعاء هو ذكر للمدعو سبحانه متضمن للطلب منه والثناء عليه بأسمائه وأوصافه فهو ذكر وزيادة كما أن الذكر سمي دعاء لتضمنه الطلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: “أفضل الدعاء: الحمد لله” فسمى الحمد لله دعاء وهو ثناء محض لأن الحمد يتضمن الحب والثناء والحب أعلى أنواع الطلب للمحبوب فالحامد طالب لمحبوبه فهو أحق أن يسمى داعيا من السائل الطالب من ربه حاجة ما فتأمل هذا الموضع ولا تحتاج إلى ما قيل إن الذاكر متعرض للنوال وإن لم يكن مصرحا بالسؤال فهو داع بما تضمنه ثناؤه من التعرض كما قال أمية بن أبي الصلت:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني —-  حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوما  —–   كفاه من تعرضه الثناء

وإذا استعنت فاستعن بالله

وأما الاستعانة بالله عز وجل دون غيره من الخلق فلأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل فمن أعانه الله فهو المعان ومن خذله فهو المخذول وهذا تحقيق معنى قول : ( لا حول ولا قوة إلا بالله) فإن المعنى لا تحول للعبد من حال إلى حال ولا قوة له على ذلك إلا بالله ، وهذه كلمة عظيمة وهي كنز من كنوز الجنة.

فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات وترك المحظورات والصبر على المقدورات كلها في الدنيا وعند الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله عز وجل فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز )

أنواع الاستعانة :

والاستعانة تنقسم إلى قسمين: قسم محمود، وقسم مذموم:

فالقسم المذموم : هو الاستعانة بالخلق فيما لا يقدر عليه إلا الله: كإجابة الدعاء وكشف البلاء، والهداية، والإغناء، ونحو ذلك، فالله تعالى هو المتفرد بذلك الذي يسمع ويرى، و يعلم السر والنجوى، وهو القادر على إنزال النعم، وإزالة الضر من غير احتياج منه إلى أن يعرفه أحد أحوال عباده، أو يعينه على قضاء حوائجهم، والأسباب التي بها يحصل ذلك هو خَلَقَها و يَسَّرها، فهو مُسبب الأسباب التي بها يحصل ذلك ولهذا فرض سبحانه على المصلي أن يقول في صلاته (وإياك نستعين).

أما القسم الثاني المحمود: فهو الاستعانة بالله تعالى وحده، والتبرؤ من الحول والقوة، وتفويض الأمر إلى الله عز و جل، و هذا المعني في غير آية من القرآن كقوله تعالى : ( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) هود123

وقوله تعالى : (قل هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا)الملك29

يقول ابن القيم : (والاستعانة بالله تعالى تجمع أصلين عظيمين:

الأصل الأول: الثقة بالله

والأصل الثاني: الاعتماد عليه.

فإن العبد قد يثق بالواحد من الناس ولا يعتمد عليه في أموره مع ثقته به لاستغنائه عنه، وقد يعتمد عليه مع عدم ثقته به لحاجته إليه ولعدم من يقوم مقامه، فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنه غير واثق به.

والتوكل معنىً يلتئم من أصلين من الثقة والاعتماد وهو حقيقة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، وهذان الأصلان،: وهما التوكل والعبادة قد ذكرا في القرآن في عدة مواضع قرن بينهما فيها، كقول شعيب عليه السلام:( وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)هود 88

وقوله تعالى:( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ)هود123

فالعباد كلهم مجبولون على الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه في شؤونهم، ولكن حسن الاستعانة والتوكل يختلفان من قلب إلى قلب، ومن شخص إلى شخص، فبقدر قوة الإيمان واليقين عند العبد بقدر ما يقوي عامل الاستعانة بالله، وحسن الظن به، وتسليم الأمر له، لعلم القلب بحاجته إلى فضل الله تعالى وتيسير أمره.

ولو نظر كل منا في حاله في أمور دنياه وآخرته لوجد أنه يحتاج إلى عون الله تعالى حتى في جلب أنفاسه، فلا يستطيع أحد القيام بحق الله تعالى إلا بالاستعانة به على ذلك، فها هو سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يعلم معاذا أن يقول [اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك]، فهو يحتاج إلى عون الله وفضله لأداء حقه على الوجه الذي يرضيه.

وهل المسلم يستطيع أن يتوضأ أو يصلي، أو يسجد أو يركع أو يسبح أو يذكر الله إلا بعونه، وهل يستطيع أيضاً أن يحج أو يعتمر، أو يزكي أو يصوم، أو يبر والديه أو يحسن إلى الناس إلا بعون الله وفضله، وهكذا في سائر أحوال طاعته لربه.

التعلق بالأسباب

والاستعانة بالله لا تعني إهمال الأخذ بالأسباب ولا التعلق بالأسباب على أنها الفاعلة إنما القلب يتعلق بالله والجوارح تعمل بالأسباب التي هيأها الله في الكون .

وبعض الناس تعلقت قلوبهم بالأسباب، وانصرفت عن مسبب الأسباب، ونسي هؤلاء قول الله تعالى في سورة الفاتحة [وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ].

فمنهم من يتعلق قلبه ببعض الأشخاص فينافقهم أو يدافع عنهم بباطل ، ومنهم من يتعلق قلبه بمكانته وسلطته ويظن أنها سبيله إلى العلو والمفاخرة بين أبناء جنسه، وهكذا دواليك، وقد نسي هؤلاء أو تناسوا أن الأمر بيد الله أولاً وآخراً، وأن شؤون الخلق مدبرة تحت مشيئته وقوته وحكمته.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم

جديد الموقع

تصنيفات