السنن الربانية : 2- قانون الحسنات والسيئات

تاريخ الإضافة 2 يوليو, 2025 الزيارات : 391

فقه السنن الإلهية

قانون الحسنات والسيئات

ما زلنا نواصل الحديث عن ” فقه السنن الإلهية”، سائلين الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اليوم، إن شاء الله تعالى، نتكلم عن قانون الحسنات والسيئات.

أعمال العباد إما حسنات يؤجرون عليها، وإما سيئات يكون فيها العقاب.

القانون الأول: “من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها” (سورة الأنعام: الآية 160).

هذا وعد الله عز وجل لكل من يعمل عملًا صالحًا يقبله الله أن يضاعفه الله تعالى بعشر أمثاله.

وقد ورد في الحديث الإلهي أن الله سبحانه وتعالى قال للملائكة، أي الكتبة: “إذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له بواحدة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر إلى سبعمائة ضعف”

 وهناكَ أعمالٌ يتضاعف أجرها أضعافا كثيرة

مثل :

1- الصوم : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :” قال اللهُ: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لهُ إلا الصيامَ ، فإنَّه لي وأنا أُجْزي بهِ,والصيامُ جُنَّةٌ ، وإذا كان يومُ صومِ أحدِكُم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ ، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتَلَهُ فلْيقلْ : إنِّي امْرُؤٌ صائمٌوالذي نفسُ محمدٍ بيدهِ لَخَلوفِ فمِ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ من ريحِ المسكِ ، للصائمِ فَرْحتانِ يفرَحْهُما إذا أَفطرَ فَرِحَ ، وإذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومِهِ “رواه البخاري

 وفي رواية عند الإمام أحمد :  “يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ إنَّمَا يتْرُكُ طعامَهَ وشَرَابَهُ مِن أجْلِي فصيامُهُ لَه وأنا أجزِي بِه كلُّ حسنةٍ بعشرِ أمثالِهَا إلى سبعمائِةِ ضعفٍ إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ”

والمراد بقوله : ( وأنا أجزى به ) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته .

قال القرطبي : معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير . ويشهد لهذا رواية مسلم  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ) أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره ، وهذا كقوله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .

فإذا تولى الكريم سبحانه وتعالى الجزاء والهدية والعطية، فاعلم أنها لا منتهى لها.

2- دعاءُ السُّوقِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَن دَخَلَ السُّوقَ فقالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفَ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفَ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفَ دَرَجَةٍ، وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ). 

3-الصدقة : دَلَّ عليهِ قولُهُ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]. فَدَلَّتْ هذهِ الآيَةُ على أنَّ النفقةَ في سبيلِ اللَّهِ تُضَاعَفُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. 

وفي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): عنْ أبي مسعودٍ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ بنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ فَقَالَ: يا رسولَ اللَّهِ، هذهِ في سبيلِ اللَّهِ، فقالَ: (لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ).
وهذا كله يدل على أن العدد المذكور العشرة والسبعمائة ليس للتحديد؛ لورود التضعيف بما هو أكثر من ذلك.

مضاعفة ثواب الحسنات تكون بأمور، منها:
الأول: باعتبار الزمان، مثاله قول النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأول من ذي الحجة: “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر”، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله” (أخرجه أحمد).
ومن ذلك قوله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر: 3].

الثاني: باعتبار المكان، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام” ( أخرجه البخاري، ومسلم ).

الثالث: باعتبار العمل، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: “ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، فالعمل الواجب أفضل من التطوع”. كذلك كلما كانت الحاجة إلى العمل أكبر وكان نفعه وتعدي ذلك النفع للآخرين أكبر، كلما كان ثوابه أعظم. ومن هنا كان لكل وقت فرضه وفضله المطلوب فيه، فلزم مراعاة ذلك .

الرابع: باعتبار العامل، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن خالد بن الوليد وقد وقع بينه وبين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما ما وقع: “لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه“.
أيضًا يتفاضل العمل بالإخلاص، ويتفاضل بحسن إسلام العبد… إلخ.

 القانون الثاني: “ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها” (سورة الأنعام: الآية 160):

وهذا من لطف الله ورحمته؛ إذ لا يضاعف السيئة كما يضاعف الحسنة، إنما السيئة تكتب سيئة واحدة كما هي.

هل تضاعف السيئة؟

الذي عليه جمهور العلماء أنها لا تضاعف، ولا حتى في مكة، خلافاً لمن قال من أهل العلم: إنها تضاعف في مكة؛ لأن القواطع في القرآن قائمة على أن السيئة لا تضاعف، قال الله جل وعلا: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40]، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام:160].
لكن نقول من باب العلم -والعلم عند الله-: إنها قد تعظم لشرف المكان، لكنها لا تتعدد، بل تبقى سيئة واحدة، لكنها بتعبير علمي سيئة مغلظة وسيئة عظيمة؛ لشرف الزمان كالمعصية في رمضان، أولشرف المكان كالمعصية داخل الحرم، فلا نستطيع أن نعددها؛ لأن الله يقول: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40]، لكن كذلك نقول: إنها تعظم لشرف المكان، أو شرف الزمان.

قال تعالى: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[الحج: 25]، وكان جماعة من الصحابة يتقون سكنى الحرم خشية ارتكاب الذنوب فيه، منهم: ابن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو؛ وكان يقول: “الخطيئة فيه أعظم“.
قال مجاهد: “تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات“.
قال إسحق بن منصور: “قلت لأحمد في شيء من الحديث: هل السيئة تُكتب بأكثر من واحدة؟ قال: لا، ما سمعنا إلا في مكة لتعظيم البلد“.

وقال ابن القيم – رحمه الله –: (تضاعف مقادير السيئات فيه لا كميتها فإن السيئة جزاؤها سيئة، لكن سيئة كبيرة) ثم يقول: (فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه) انتهى. [زاد المعاد 1-51]

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: “أما السيئات فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها لا تضاعف من جهة العدد، ولكن تضاعف من جهة الكيفية، أما العدد فلا؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[الأنعام: 160]، فالسيئات لا تُضاعف من جهة العدد لا في رمضان ولا في الحرم ولا في غيره، بل السيئة بواحدة دائمًا، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى وإحسانه” 

لتقريب المعنى، لو أن شخصًا ارتكب خطأ، وكان العقاب غرامة مالية. فإن الغرامة قد تكون مخففة بحيث تُسدد بالتقسيط على سنة أو سنتين، أو تكون مخففة في مبلغها.

أما العقوبة المشددة، فهي التي يكون فيها الدفع فوريًا أو أن المبلغ مضاعف، أو تُفرض عقوبات إضافية عند التأخير. مثال آخر: السجن قد يكون سجنًا عاديًا، أو سجنًا انفراديًا مشددًا.

هذا هو المقصود بأن المضاعفة تكون في الكيف وليس في الكم.

فالله تعالى وصف أن من يهم بالإلحاد بظلم في بيت الله الحرام ينال عقابًا شديدًا بسبب قدسية المكان، وليس لأن السيئات تضاعف عددًا.

فالله تعالى قال: “ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم” (سورة الحج: الآية 25). هذا يعني أن مجرد الهمِّ بالإلحاد أو الظلم في بيت الله الحرام يُعتبر جريمة عظيمة تُستوجب عقابًا أليمًا من الله عز وجل.

لكن هذه العقوبة ليست من باب مضاعفة السيئات عددًا، وإنما هي من باب شدة العقاب بسبب حرمة المكان وقداسته.

فالمضاعفة هنا، كما ذكرت، تكون في الكيف وليس في الكم.

وعلى سبيل المثال، إذا اعتدى شخص على أحدٍ خارج الحرم قد تكون العقوبة مخففة، أما إذا ارتكب نفس الاعتداء في بيت الله الحرام فإن العقوبة تكون أشد بسبب شرف المكان.

هل تضاعف السيئات في الأشهر الحرم؟

ولكن يشيع الآن عند الناس – بمناسبة أننا في شهر رجب – أن الأشهر الحرم تتضاعف فيها الحسنات وتتضاعف فيها السيئات، وهذا كلام غير صحيح يا إخواني من الناحية الشرعية والتأصيلية.

 يرجع ذلك لتفسير قوله تعالى: {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} فيه قولان:

أحدهما: لا تظلموا أنفسكم في الشهور كلها.

 الثاني: المراد بذلك الأشهر الحرم فقط.

واختلف في المراد بالظلم على قولين أيضا:

أحدهما: لا تظلموا فيهن أنفسكم بتحليلهن ، يعني قلبها من شهر حرام إلى شهر حلال كما كان يفعل العرب .
الثاني : لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب فيهن .
فإن الله إذا عظم شيئا من جهة صارت له حرمة واحدة ، وإذا عظمه من جهتين أو من جهات صارت حرمته متعددة بعدد جهات التحريم ، ويتضاعف العقاب بعمل السيئات فيها،  كما ضاعف الثواب بالعمل الصالح فيها ؛ فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام والمسجد الحرام ليس كمن أطاعه في شهر حلال في بلد حلال في بقعة حلال، وكذلك العصيان والعذاب مثله في الموضعين .

وهذا كله اجتهاد في فهم الآية لا يرقى أن يكون دليلا قطعيا في المسألة وأرى أن الحديث القدسي (وإن هم عبدي بسيئة فعملها فاكتبوها له واحدة) يفصل في المسألة بشكل واضح وأن ما يساق من شأن المضاعفة من باب الترهيب من الوقوع في السيئات والترغيب من الإكثار من الحسنات، لكن الحقيقة الشرعية لم يأت دليل قطعي في مضاعفة السيئات في بعض الأزمان وإنما هو اجتهاد من أهل العلم.

لذلك، علينا أن نفهم أن حرمة الأشهر الحرم وحرمة بيت الله الحرام تعني تجنب الظلم والاعتداء، وليس أن السيئات تضاعف عددًا.

متى تتضاعف السيئة؟

إذاً، فالسيئة تُكتب واحدة، وهذا هو الراجح من كلام أهل العلم، ولا تتضاعف السيئة بمثلها إلا في حالة واحدة:

أن يكون قدوة في الشر، والعياذ بالله. فمن دلَّ على حسنة أو على شيء طيب،  فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً”.

فمن كان سببًا في بدعة، أو معصية، أو ضلالة أضلَّ بها الناس، أو دلَّهم عليها، أو سهَّلها لهم، فعليه وزرها ووزر من عمل بها، كما قال الله تعالى: “ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون” (سورة النحل: الآية 25).

وهذا يعني أنهم يحملون أوزارهم، وأيضًا أوزار من أضلوهم أو تسببوا في انحرافهم.

فدعوة الناس إلى الفساد أو تسهيل طريق الحرام لهم تُضاعف الإثم، لأنهم يكونون دعاة إلى النار.

القانون الثالث: من يعمل سوءًا يُجز به:

قال الله تعالى: “من يعمل سوءًا يجز به” (سورة النساء: الآية 123).

هذا قانون إلهي عادل لا يفلت منه أحد.

المقصود بالآية هنا أن أحدًا لن يفلت من جزاء سيئ ما فعل، وليس هناك استثناء بسبب النسب أو المال أو القوة.

فالله عز وجل لا يتعامل أحد معه بالواسطة؛ لا يعني أنك من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من السابقين الأولين، أو كما زعم أهل مكة أنهم أكثر أموالًا وأولادًا، أو كما ادعى اليهود : “لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودات” (سورة البقرة: الآية 80)، أو كما قال النصارى واليهود “نحن أبناء الله وأحباؤه” (سورة المائدة: الآية 18)، أن الله سيغفر لك معصيتك دون توبة.

ما عند الله لا يُنال إلا بالطاعة، ومن تاب تاب الله عليه، وجعل الله للمؤمن مكفرات عظيمة: المرض، الحزن، الابتلاء، والنقص، كلها مكفرات للذنوب.

لكن، لا يظنن أحد أنه إذا قام بعمل سيئ أو ظلم أو أفسد في الأرض أنه سينجو من عقاب الله طالما لم يتب ويندم على ما فعل.

لعنة الدماء في غزة ستصيب الجميع:

ولذلك أقولها وأكررها: ما يحدث في غزة تحت سمع وبصر العالم سيكون له لعنة على كل من انغمست يده في هذه الدماء، أو شارك فيها، أو أعان عليها.

كل من رضي بما يحدث في غزة، أو ساهم في تجويع الأبرياء، أو سفك دمائهم، أو ترويعهم، أو إيذائهم، فليعلم أن الله عز وجل لن ينسى.

قال الله تعالى: “ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون” (سورة إبراهيم: الآية 42).

الله عز وجل له تدبير عظيم، وتقدير إلهي، يليق بجلاله وعظمته.

فكل من ساعد الطرف القوي على حساب الطرف الضعيف، وسار في ركاب الظلم والظالمين، وغض الطرف عن الجرائم الوحشية، لن يفلت من عدل الله عز وجل.

أقسم بالله مهما طال الزمان، “من يعمل سوءًا يجز به”. افعل ما شئت، فكما تدين تُدان، و”الديَّان لا يموت”.

والله وعد المظلوم أن يستجيب دعوته ولو بعد حين.

نشر موقع “سي إن إن” الإخباري وغيره من المنصات الإخبارية خبرًا عن ممثل أمريكي مشهور كتب على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) يتمنى حرق أهل غزة جميعًا، ويتحدث عن أن قتلهم وإبادتهم حق مشروع. هذا الشخص نفسه ظهر بالأمس يبكي على بيته الذي طالته النيران، حيث وصلت النار إلى قعر بيته، وأصبح مشردًا في الشارع.(1)

هذا مثال حسي واضح: كما تدين تدان.

لقد رأيناه جميعًا في الأخبار؛ كان بالأمس يتفاخر بجلوسه أمام حمام السباحة الخاص ببيته، والآن بيته أصبح كومة رماد، وهو يظهر باكيًا يقول: “بالأمس كنت أعيش في رفاهية، والآن أصبحت مشردًا”. ثم أعاد الناس نشر ما كتبه سابقًا من تمنيات للفناء والإحراق لأهل غزة.

كما تدين تدان:

لا تتوقع أن تسيء للآخرين، والله الحكم العدل ينسى لك هذه الإساءة أو يغفرها ما دمت مصرًا عليها.

كل من يظلم، كل من يؤذي، كل من يعتدي، كل من يسرق، كل من يسفك الدماء، وكل من يصفق ويبارك ويدعم ويناصر الباطل، وكل من يخرس عن قول الحق هو شريك في هذا الإثم والباطل.

ولذلك لابد أن يكون لك كمسلم موقف من أي منكر؛ أي منكر تسمع به أو تمر به، يجب أن يكون لك موقف منه.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” (رواه مسلم).

  1. إذا كان لك ولاية أو سلطة، فغيّر المنكر بيدك.
  2. إن لم تستطع، فتكلم بلسانك. تكلم بأي وسيلة متاحة؛ في عصرنا، المنابر الإعلامية كثيرة جدًا، سواء كانت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر التحدث مع الآخرين. قل كلمة الحق ولا تخش في الله لومة لائم، لكن إن لم تستطع قول الحق، فلا تصفق للباطل، إن لم تكن قادرًا على دفع ضريبة كلمة الحق، فلا تكن منافقًا مطبلًا للظلم والفساد، فلا تبارك الباطل، ولا تسكت عنه بفرح أو رضا، وإن لم تستطع أن تعبر، فيسعك الصمت، ولكن ليكن قلبك منكرًا للباطل.
  3. الإنكار بالقلب: فأظهر لله أنك تنكر المنكر بقلبك: قل: “يا رب، أشهد أن هذا منكر لا يرضيك، وأنا أبرأ إليك مما يحدث… اللهم إنك تعلم أني أعجز عن تغييره بيدي أو بلساني، فإني أبرأ إليك من هذا المنكر”.

هذا هو موقف المسلم من أي معصية لله عز وجل:

  • إما أن يغيرها بيده.
  • فإن لم يستطع، فبلسانه.
  • فإن لم يستطع، فبقلبه.

وأخيرًا، النفس اللوامة هي نفس المؤمن التقي:

النفس اللوامة تلوم صاحبها دائمًا:

  • تلومه على الخير لأنه لم يستكثر منه.
  • وتلومه على الشر: “لماذا فعلت هذا؟”

النفس اللوامة هي التي تسأل صاحبها: لماذا قصرت؟ لماذا ضيعت؟ لماذا لم أصلِّ الفرض في وقته؟ لماذا لم أمسك بالمصحف هذا اليوم؟ لماذا لم أتصدق؟ لماذا لم أبر والدي؟ لماذا لم أقل كلمة طيبة؟

وفي المقابل، تلومه على السيئات: لماذا قلت كلمة فيها معصية لله؟ لماذا قلت كلمة لم تقصد بها وجه الله؟ لماذا ظلمت فلانًا أو كسرت خاطره؟ لماذا أخذت ما لا يحل لك؟

النفس اللوامة تعني أن مؤشر الإيمان عندك حيّ، منتبه، يقظ.

فلتر الإيمان عندك يميز الخطأ من الصواب، ويمنعك من الاستمرار في المعصية.

كن دائمًا لوّامًا لنفسك، فالمؤمن الحق هو الذي يسعى لتعويض الخير الذي فاته، ويبادر بالتوبة والاستغفار إذا ارتكب معصية أو خطيئة. بادر واعتذر، فإن الله جل وعلا يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، كما قال تعالى: “وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون” (سورة الشورى: الآية 25).

ورد في الحديث القدسي: “إن العبد إذا أذنب وقال: اللهم اغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، يقول الله عز وجل: علم عبدي أن له ربًا يأخذ بالذنب ويعاقب به، قد غفرت له.”

فالمؤمن إذا عصى أو أخطأ، فإنه رجّاع للحق. لا يعيبه أبدًا أن يعود إلى الله ويتوب، بل هذا دليل على قوة إيمانه.

إنما العيب هو الاستغراق في المعصية، وعدم التوبة أو الإقلاع عنها، والعياذ بالله.

ومن شؤم المعصية تسلط الشيطان على الإنسان:

قال الله تعالى: “إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا” (سورة آل عمران: الآية 155).

والشيطان لا يملك سلطانًا على أهل الإيمان؛ قال تعالى: “إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون” (سورة النحل: الآية 99). لكنه يملك سلطانًا على العاصين الذين يغرقون في الذنوب. قال الله تعالى: “إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون” (سورة النحل: الآية 100).

ووصف الله المؤمنين بقوله: “إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون” (سورة الأعراف: الآية 201).

الاستعاذة بالله هي الحل.

إذا شعرت بأن الشيطان يوسوس لك أو ينزغ في قلبك، فاستعذ بالله كما قال تعالى: “وأما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم” (سورة الأعراف: الآية 200).

المؤمن دائمًا منتبه ومستعيذ بالله، فإذا وقع في زلة أو خطأ، تذكر واستيقظ من غفلته، وأفاق إلى الحق.

هذه أهم قوانين الحسنات والسيئات.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه.
اللهم آمين.


(1)هو الممثل الأمريكي، جيمس وودز في لقائه مع قناة “CNN”، أعرب خلاله عن حزنه وأجهش في البكاء بسبب نيران كاليفورنيا التي طالت منزله وتكبد بسببه خسارة بالملايين.

، وأعرب عن حزنه لما يحدث في كاليفورنيا، والتهام النيران أحياء بأكملها وسط مغادرة الآلاف منازلهم بسبب الخطر الذي يحيط بهم، وكشف جيمس عن خسارة منزله الذي يقدر بـ 10 ملايين دولار، وأنه لا يصدق ما يحدث وقال: “أمس كنت استمتع بحمام السباحة، اليوم هناك لا شيء”.

وهاجم العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بانتقاد تصريحات الممثل الأمريكي، جيمس وودز بشأن خسارة منزله، وأكدوا أن ما يحدث هو عدالة السماء، بعدما كان لـ جيمس وودز تصريح سابق قام خلال بدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، موضحًا أن ليس عليهم إيقاف القتل و إبادتهم الشعب الفلسطيني بالكامل، ليأتي الرد الإلهي سريعًا وسط خسائر بالملايين.
الرابط: هنا

Visited 59 times, 1 visit(s) today


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14348 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر

جديد الموقع