السؤر هو : ما بقي في الإناء بعد الشرب.
وهو أنواع :
( 1 ) سؤر الآدمي : وهو طاهر من المسلم والكافر والجنب والحائض . وأما قول الله تعالى : ( إنما المشركون نجس ) التوبة 28 ، فالمراد به نجاستهم المعنوية ، من جهة اعتقادهم الباطل ، وعدم تحرزهم من الأقذار والنجاسات ، لا أن أعيانهم وأبدانهم نجسة ، وقد كانوا يخالطون المسلمين ، وترد رسلهم ووفودهم على النبي صلى الله عليه وسلم / ويدخلون مسجده ، ولم يأمر بغسل شيء مما أصابته أبدانهم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كنت أشرب وأنا حائض ، فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم ، فيضع فاه على موضع في ) رواه مسلم .
والمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب من المكان الذي شربت منه
( 2 ) سؤر ما يؤكل لحمه :
وهو طاهر لان لعابه متولد من لحم طاهر فأخذ حكمه .
قال أبو بكر بن المنذر . أجمع أهل العلم على أن سؤر ما أكل لحمه يجوز شربه والوضوء به .
( 3 ) سؤر البغل والحمار والسباع وجوارح الطير :
وهو طاهر ، لحديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ قال نعم . وبما أفضلت السباع كلها ) أخرجه الشافعي والدارقطنى والبيهقي ، وقال : له أسانيد إذا ضم بعضها إلى بعض كانت قوية
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ليلا فمروا على رجل جالس عند مقراة له فقال عمر رضي الله عنه : أولغت السباع عليك الليلة في متكلف ! ، لها ما حملت في بطونها ، ولنا ما بقي شراب وطهور ) رواه الدار قطني .
وعن يحيى بن سعيد ( أن عمر خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا فقال عمرو يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع ؟ فقال عمر : لا تخبرنا ، فإنا نرد على السباع وترد علينا ) رواه مالك في الموطأ .
( المقراة ) : الحوض الذي يجتمع فيه الماء .
( 4 ) سؤر الهرة :
وهو طاهر ، لحديث كبشة بنت كعب ، وكانت تحت أبي قتادة ، أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له . . فجاءت هرة تشرب منه فأصغى (أمال) لها الإناء حتى شربت منه ، قالت كبشة : فرآني أنظر فقال : أتعجبين يا ابنة أخي ؟ فقالت : نعم . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنها ليست بنجس ، إنها من الطوافين عليكم والطوافات ) رواه الخمسة .
قوله ( إِنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ ) هَذِهِ جُمْلَة مُسْتَأْنَفَة فِيهَا مَعْنَى الْعِلَّة إِشَارَة إِلَى أَنَّ عِلَّة الْحُكْم بِعَدَمِ نَجَاسَة الْهِرَّة هِيَ الضرورة النَّاشِئَة مِنْ كَثْرَة دَوَرَانهَا فِي الْبُيُوت , وَدُخُولهَا فِيهِ بِحَيْثُ يَصْعُب صَوْن الْأَوَانِي عَنْهَا , وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَطُوف عَلَيْكُمْ فِي مَنَازِلكُمْ وَمَسَاكِنكُمْ فَتَمْسَحُونَهَا بِأَبْدَانِكُمْ وَثِيَابكُمْ , وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَة لَأَمَرْتُكُمْ بِالْمُجَانَبَةِ عَنْهَا .
وَفِيهِ التَّنْبِيه عَلَى الرِّفْق بِهَا وَاحْتِسَاب الْأَجْر فِي مُوَاسَاتهَا , وَالطَّائِف : الْخَادِم الَّذِي يَخْدُمك بِرِفْقٍ وَعِنَايَة وَجَمْعه الطَّوَّافُونَ .
( 5 ) سؤر الكلب والخنزير:
على قولين للفقهاء :
القول الأول : أن سؤر الكلب والخنزير نجس يجب اجتنابه . وهو قول الجمهور خلافا للمالكية .
أما سؤر الكلب ، فلما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا ) ولأحمد ومسلم ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ) ، وأما سؤر الخنزير فلخبثه وقذارته .
القول الثاني :أن سؤر الكلب والخنزير طاهر ، والأمر بغسل الإناء من ولوغه تعبداً، وليس دليل على نجاسة الكلب ، وهو قول المالكية وداود الظاهري والزهري والثوري، والشوكاني و ابن المنذر.
ودليلهم :
قوله تعالى : “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” المائدة 4
قالوا لَوْ كَانَ نَجِسًا لَأَفْسَدَ مَا صَادَهُ بِفَمِهِ، وَلَمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ ، فدل ذلك على طهارة ريقه .
وعن ابن عمر: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك، صحيح البخاري
ومن شأن الكلاب وضع أفواهها بالأرض ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجها ، ولا بغسل ما مسته من أرض المسجد .
وعن أبي هريرة ” أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش ، فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه ، فشكر الله له فأدخله الجنة، صحيح البخاري
فإن الرجل سقى الكلب في خفه ، واستباح لبسه في الصلاة دون غسله ، إذ لم يُذكر الغسلُ في الحديث ، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ
عن أبي هريرة: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي تكون فيما بين مكة والمدينة , فقيل له : إن الكلاب والسباع ترد عليها , فقال : ” لها ما أخذت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور “، سنن الدارقطني
فدل هذا الحديث على طهارة الكلب من وجهين. أحدهما : أنه جمع بينه وبين السباع فلما كان السبع طاهرا كان ما جمع إليه في الحكم طاهرا .والثاني : أنه جعل ما بقي من شربه طهورا ، وقد يكون الباقي قليلا ، ويكون الباقي كثيرا.
أيضا لو كان نجسا لأكتفي في غسله بمرة ، من غير تحديد سبع ، لأنه لو كان الغسل سبعا لأجل النجاسة ، لكان الخنزير بذلك أولى ، مع أنه لا يغسل إلا مرة .
وأما سؤر الحنزير فمذهب مالك طهارة الخنزير مادام حيّاً والله تعالى إنما حرم أكل لحمه قال تعالى ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) المائدة 3 ، فالآية تفيد نجاسة اللحم فقط فإذا صار لحما صار نجسا ، وأيضا القياس على سؤر سائر السباع كما في حديث يحيى بن سعيد ( أن عمر خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا فقال عمرو يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع ؟ فقال عمر : لا تخبرنا ، فإنا نرد على السباع وترد علينا ) رواه مالك في الموطأ .