الإمام يحيى بن شرف المعروف بالنووي رحمه الله، عاصر السلطان الظاهر بيبرس الذي حارب التتار وأجلاهم عن كثير من 
أراضي المسلمين.
أراد الظاهر بيبرس أن يضع يده على بساتين المسلمين في غوطة دمشق بحجة حاجة الدولة إلى المال في قتال التتار، وبحجة أن أصحاب هذه البساتين ليست لديهم إثباتات لملكيتها، وطلب فتاوى العلماء بذلك.
وقف له الإمام النووي معترضاً، خاصة وأن بيبرس كانت له أملاك يمكن أن يستعين بها بدلا من وضع يده على بساتين المسلمين.
وكتب النووي مع جمع من العلماء إلى السلطان بيبرس بذلك، فغضب السلطان من هذه الجرأة عليه، وأمر بقطع رواتبه وعزله عن مناصبه، فقالوا له: «إنه ليس للشيخ راتب وليس له منصب»!
ثم لما رأى النووي أن الكتاب لم ينفع مع السلطان، مشى بنفسه إلى السلطان وقابله وكلمه كلاماً شديداً، فأراد السلطان أن يبطش به، (فصرف الله تعالى قلبه عن ذلك وحمى الشيخ، وأبطل السلطان أمر الحوطة (أي وضع اليد على البساتين)، وخلَّص الله تعالى الناس من شرها (المنهل الرواي من تقريب النواوي).
قال ابن كثير عن النووي: (إنه قام على الظاهر في دار العدل في قضية الغوطة لما أرادوا وضع الأملاك على بساتينها، فرد عليهم ذلك، ووقى الله شرها بعد أن غضب السلطان، وأراد البطش به، ثم بعد ذلك أحبه وعظمه).
محل الشاهد: (إنه ليس للشيخ راتب ولا منصب)! يا لله، ما أروعها من نعمة! الاستغناء عن العباد وعدم رجاء نفعهم ولا خوف ضرهم.
(ليس له راتب ولا منصب)…ولعل هذا من أهم أسباب البركة العظيمة في مؤلفات النووي: استقلالية قراره وتحرُّر كلمته…فيقول ما يمليه عليه دينه وما يرى أنه الحق، لا ما يريد السلطان.
عاش النووي ستة وأربعين عاما فقط، ومع ذلك فمؤلفاته من أكثر الكتب انتشارا، مثل رياض الصالحين الموجود بكثير من بيوت المسلمين، شرح صحيح مسلم، الأربعون النووية، وغيرها الكثير، وبقي أثره المبارك الطيب أكثر من عامة أصحاب الرواتب والمناصب!
