فقه الطهارة 1- المياه وأقسامها
لماذا بدأنا بالحديث عن الطهارة ؟
لأن أعظم الحقوق على المخلوق حق الله ثم تأتي حقوق عباده ، وأولى العبادات وأعظمها هي الصلاة فهي عمود الدين ، وأول شرط من شروط صحة الصلاة قبل الدخول فيها هو الطهارة
أنواع الطهارة
-1 طهارة معنوية .
-2طهارة حسية
الطهارة المعنوية : وتعني طهارة القلوب من النفاق، والشرك، والاعتقادات الباطلة الفاسدة، وكذا تطهير القلوب من أمراضها كالحقد، والحسد، والبغضاء، والشحناء، وغير ذلك .
ويدخل فيها أيضاً طهارة الجوارح من الذنوب والآثام والمعاصي؛ ولهذا جاء في بعض الأحاديث أن الوضوء يطهر الأعضاء، وكذلك الأعمال الصالحة تطهر وتذهب السيئات، فهذه طهارة معنوية .
الطهارة الحسية : وهي التي يذكرها الفقهاء في كتبهم
والطهارة لغة : النظافة
واصطلاحاً : نظافة من نوع خاص فيها معنى التعبد لله .
وهي نوعان : طهارة من الخبث : يعني النجاسة
وطهارة من الحدث ، وهما حدثان :أصغر : وهو ما ينقض الوضوء ، وأكبر : وهو ما يوجب الغسل .
المياه وأقسامها
- الماء المطلق
وحكمه أنه طهور : أي أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره ويندرج تحته من الأنواع ما يأتي :
- ماء المطر والثلج والبردلقول الله تعالى : ( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ) الأنفال 11
وقوله تعالى ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) الفرقان 48
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل القراءة ، فقلت : يا رسول الله – بأبي أنت وأمي – أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال : ( أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ) رواه الجماعة إلا الترمذي
- ماء البحر ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ، إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته ) رواه الخمسة .
ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه ( نعم ) ليقرن الحكم بعلته ، وهو الطهورية المتناهية في بابها ، وزاده حكما لم يسأل عنه ، وهو حل الميتة ، إتماما للفائدة ، وإفادة لحكم آخر غير المسئول عنه ، ويتأكد عند ظهور الحاجة إلى الحكم ، وهذا من محاسن الفتوى .
فائدة :الطَهور بفتح الطاء للماء الذي يتطهر به وبضمها للفعل الذي هو المصدر .
- ماء زمزم ، لما روي من حديث علي رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ ) رواه أحمد .
( السجل ) الدلو المملوء .
- الماء المتغير بطول المكث ، أو بسبب مقره ، أو بمخالطة ما لا ينفك عنه غالبا ، كالطحلب وورق الشجر ، فإن اسم الماء المطلق يتناوله باتفاق العلماء .
والأصل في هذا الباب أن كل ما يصدق عليه اسم الماء مطلقا عن التقييد يصح التطهر به ، قال الله تعالى : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا ) المائدة 6 .
القسم الثاني : الماء المستعمل
وهو المنفصل من أعضاء المتوضئ والمغتسل .
ومثاله : لو أن شخصاً جمع ماءً في حوض الاستحمام “البانيو” حتى امتلأ ثم اغتسل فيه من الجنابة ، فهل له أن ينغمس فيه ويغتسل فيه من الجنابة مرة أخرى أو يتوضأ منه ؟
وإذا جَمع الماءَ المتساقط منه في الوضوء في إناء ، فهل له أن يتوضأ به مرة أخرى ؟
وقد اختلف العلماء هل تصح الطهارة به مرة ثانية أم لا ؟ على ثلاثة أقوال للفقهاء :
القول الأول: لا تجوز الطهارة بالماء المستعمل، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ، ورواية عن الإمام أحمد .
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم (الراكد) وهو جنب» فدل ذلك على ان الاغتسال يؤثر في الماء ولوكان لا يؤثر لما نهى عنه .
القول الثاني: عند المالكية هو طهور يجوز رفع الحدث به لكن مع الكراهة ان وجد غيره، ومع هذا لم يجز التيمم مع وجوده ، وتجوز ازالة النجاسة به بلا كراهة .
القول الثالث: جواز الطهارة بالماء المستعمل؛ وأنه لا فرق بينه وبين الماء المطلق، وهو قول أبي ثور وابن المنذر وداود وابن حزم وهو إحدى الروايتين عند احمد وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم .
لما رواه ابن عباس –رضي الله عنهما – (أن امرأة من أزواج النبي اغتسلت من جنابة فجاء النبي يتوضأ من فضلها فقالت له : إني اغتسلت منه ؛ فقال : إن الماء لا ينجسه شئ ) رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي .
فقولها إني اغتسلت منه ووضوء النبي منه دليل على طهوريته .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب ، فانخنس منه فذهب فاغتسل ثم جاء فقال : ( أين كنت يا أبا هريرة ؟ ) فقال : كنت جنبا ، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة ، فقال : سبحان الله إن المؤمن لا ينجس ) رواه الجماعة
ووجه دلالة الحديث : أن المؤمن إذا كان لا ينجس ، فلا وجه لجعل الماء فاقدا للطهورية بمجرد مماسته له ، إذ غايته التقاء طاهر بطاهر وهو لا يؤثر .
وأما :حديث أبي هريرة «لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب» فالاستدلال به فيه نظر لأَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِي الدَّائِمِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لِئَلَّا يُقَذِّره ، وَقَدْ يُؤَدِّي تَكْرَارُ ذَلِكَ إلَى تَغَيُّرِهِ لا لأجل نجاسته ، ولا لصيرورته مستعملاً .
القسم الثالث : الماء الذي خالطه طاهر كالصابون والزعفران والدقيق وغيرها من الأشياء التي تنفك عنها غالبا .
وحكمه أنه إذا كان المخالط قليلا فهو طهور مادام حافظا لإطلاقه ،أما إذا كان المخالط كثيرا بحيث صار لا يتناوله اسم الماء المطلق كان طاهرا في نفسه ، غير مطهر لغيره ، فعن أم عطية قالت : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته ( زينب ) فقال : ( اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك – إن رأيتن – بماء وسدر واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور ، فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغن آذناه ، فأعطانا حقوه فقال :
( أشعرنها إياه ) تعني : إزاره ، رواه الجماعة .
والميت لا يغسل إلا بما يصح به التطهير للحي
وعند أحمد والنسائي وابن خزيمة من حديث أم هانئ : أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناء واحد : قصعة فيها أثر العجين .
ففي الحديثين وجد الاختلاط ، إلا أنه لم يبلغ بحيث يسلب عنه إطلاق اسم الماء عليه .
القسم الرابع : الماء المسخّن :
يسخن الماء سواء بالشمس، أو بالنار، أو غير ذلك، قال الشافعية: إنه يكره وذكروا علة لذلك، قالوا: إنه يسبب البرص، ولكن الصحيح أنه لا يكره، وأن هذه العلة واهية وليست صحيحة، والحديث الوارد في ذلك حديث مردود لم يصح، و هو حديث عائشة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال لها: ( لا تفعلي فإنه يورث البرص)
ولهذا فالصحيح أن الماء المسخن لا يؤثر فيه التسخين.
إلا إذا كان الماء شديد الحرارة أو شديد البرودة فحينئذ يكرهونه ؛ لأنه يصعب الوضوء به، فلا يحصل به الإسباغ .
القسم الخامس : الماء المتنجس :
في المسألة قولان للفقهاء:
الأول : مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد قالوا بأن الماء إذا خالطته نجاسة وهو دون القلتين فهو نجس تغير أم لم يتغير ،أما إذا بلغ القلتين ولم يتغير فهو طهور لحديث عبد الله بن عمر قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع ، فقال : ” إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ” . رواه الحاكم
ما قدر القلتين ؟
يعتبر الماء كثيرا إذا بلغ قلتين فأكثر ، والقلة هي الجرة الكبيرة ، قال الأزهري : والقلال مختلفة وقلال هجر من أكبرها .
وحددها العلماء المعاصرون : بما يقارب200 كيلو جرام، أو بما يقارب (270) لترمن الماء.
الثاني : قول مالك وبه قال أهل الظاهر واختيار ابن تيمية : عدم التفريق بين القليل والكثير فإذا تغير بالنجاسة حكمنا بأنه نجس، وإذا لم يتغير بالنجاسة لا بلون، ولا بطعم، ولا بريح، فإنه يعتبر طهوراً ، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( الماء طهور لا ينجسه شئ ) رواه أحمد
وهو الراجح لأن علة النجاسة الخبث فمتى وجد الخبث في شئ فهو نجس ومتى لم يوجد فليس بنجس ؛فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما .
وأما حديث القلتين :فقد اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه. فمن قال: إنه ضعيف فلا معارضة بينه وبين حديث: “إن الماء طَهُور لا ينجِّسه شيء” ؛ لأن الضَّعيف لا تقوم به حُجَّة.
وعلى القول بأنه صحيح فيقال: إذا ورد حديثان متضادان في الحكم مثل حديث (القلتين) و(بئر بضاعة) ذكر العلماء أن حديث (بئر بضاعة) مطلق وحديث القلتين مقيد, فيحمل المطلق على المقيد .
وقال الشوكاني في السيل الجرار(وأما ماكان دون القلتين فلم يقل الشارع انه يحمل الخبث قطعا وبتا بل مفهوم حديث القلتين يدل علي أن ما دونهما قد يحمل الخبث وقد لا يحمله)