عظمة الله رب العالمين: (18) ألَا تُحدِّثونَ بأعجبِ شيءٍ رأيتُم بأرضِ الحبشَةِ ؟

تاريخ الإضافة 18 يناير, 2025 الزيارات : 24

(18)ألَا تُحدِّثونَ بأعجبِ شيءٍ رأيتُم بأرضِ الحبشَةِ ؟

روى ابن حبان عن جابر بن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تحدثون بأعجب شيء رأيتم بأرض الحبشة؟ فقال فتية منهم: يا رسول الله بينا نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من عجائزهم تحمل قلة من ماء، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها على ركبتيها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت فقالت: سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، أتعلم أمري وأمرك عنده غدا فقال رسول الله: صدقت، كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من قويهم؟

هذه القصة يرويها لنا جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل الصحابة الذين كانوا في الحبشة، ونحن نعلم أن الصحابة هاجروا قبل الهجرة إلى المدينة إلى الحبشة، ودائمًا في الأسفار تكون هناك مواقف فيها عظات وعبر

فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من صحابته أن يذكروا له شيئًا فيه عبرة، فقال:

حدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة.

فذكروا أن عجوزًا من عجائز رهبانهم، أي اللاتي انقطعن للعبادة، كانت تمشي وتحمل قلّة، وهي الجرة أو الوعاء من الفخار الذي يُملأ بالماء فكانت تحمل قلّتها على رأسها وتمشي، ومرّت ببعض الشباب الذين لعلهم أرادوا العبث أو الضحك، فقام أحدهم فوضع يديه بين كتفيها ثم دفعها بقوة، ولأنها عجوز ضعيفة، فبسبب قوة دفعها وقعت على ركبتيها وانكسرت قلّتها.

أراد هذا الشاب أن يضحك ويثبت قوته أنه شاب متمكن، لكنه آذاها

فقالت له هذه الكلمة التي صدّقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي غدر! يا أيها الغدار سوف تعلم حينما يضع الله الكرسي ويجمع الأولين والآخرين، وينطق الله تعالى بقدرته الأيدي والأرجل فتشهد بما فعلت، كيف يكون أمري وأمرك غدًا

أي أنها كانت تقول: أنا ضعيفة الآن، لا حول لي ولا قوة، ولن أستطيع أن آخذ حقي منك، إنما سيأخذ حقي منك رب العالمين يوم الحساب.

هذه المرأة قالت هذه الكلمة، وطبعًا لا شك أن الإنجيل فيه بقايا من الحق من كلام المسيح عليه السلام.

وهي لم تعلم هذا من عند نفسها، بل نقلت ما عرفته من دينها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، صدقت.

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف يُقدّس الله أمةً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟
يُقدّس: يعني يُعظّم.
كيف يجعل الله لهذه الأمة قدرًا أو مكانة، حينما يُهضَم حق الضعيف، ولا يُؤخذ من شديدهم لضعيفهم؟

 العبرة من القصة:

هذه القصة تتحدث عن عظمة الله جل وعلا، وتجيب على سؤال يتكرر كثيرًا: إذا كان هناك من يظلم، ويعتدي، ويقتل، ويتجبر، ويفعل ما يشاء، هل لهذا الأمر من حد ونهاية؟

والجواب: إن الله تعالى لم يجعل الدنيا دار النهاية أو دار الجزاء، فالدنيا دار ابتلاء، وكلنا فيها مبتلًى، منا من يُبتلى بقوته، ومنا من يُبتلى بضعفه، ومنا من يُبتلى بغناه، ومنا من يُبتلى بفقره.

ومعنى أن الدنيا دار ابتلاء: أنك لن تأخذ جزاءك الكامل، ولا عقابك الكامل في الدنيا

؛ قد يكون هناك بعض الجزاء أو بعض العقاب، لكن لا يكون هناك توفية كاملة للثواب أو العقاب إلا يوم القيامة، قال الله تعالى: (وإنما تُوفَّون أجوركم يوم القيامة) [آل عمران: 185]

أمثلة لتوضيح العدل يوم القيامة:

1- القاتل في الدنيا:

    • إذا قتل أكثر من شخص ظلما هل سيعدم بعدد من قتل؟
    • بل في كثير من قوانين الدول الأوروبية لا توجد عقوبة الإعدام.
    • إذا قتل رجل شخصًا بريئًا، قد يُحكم عليه بالسجن مدى الحياة، لكنه يأكل ويشرب، ويمارس الرياضة، وربما يحصل على شهادات.
    • كيف يتحصل القتيل على حقه؟ هذا سيكون يوم القيامة.

2- المظلوم الذي لا يثبت حقه في الدنيا:

      • قد يكون هناك من ظلمه ولم يستطع إثبات أنه مظلوم، لأن الظالم جاء بمحامٍ أو مستندات باطلة
      • من الذي سيُوفّي المظلوم حقه؟ الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.

عدل الله التام:

النبي صلى الله عليه وسلم كان معه أبو ذر يومًا، فرأى شاتين تنتطحان فقال له: أتدري يا أبا ذر فيما تنتطحان؟
قال أبو ذر: لا أدري
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لكن الله يدري وسيقضي بينهما يوم القيامة.)

وفي حديث آخر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتُؤَدَّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقاد للشاة الجلحاء التي لا قرون لها من الشاة القرناء)

معنى ذلك: حتى الحيوانات غير المكلفة سيُقام بينها العدل يوم القيامة، فكيف بالبشر؟

إذا كان عدل الله سيُقام بين البهائم التي لا تعقل، فعدل الله التام سيكون بين الجميع

نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم:

ولذلك أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له مظلمة عند أخيه من عرض أو مال، فليتحلله منه قبل ألا يكون دينار ولا درهم)
وقال: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع
فقال: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته، أُخذ من سيئاتهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار)

خاتمة:

  • إذا عمّ الظلم في أمة، كان ذلك مؤذنًا بخرابها وزوالها.
  • قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويهدم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة.
  • والمقصود هنا: إذا كان الحاكم ظالمًا وهو مسلم، فإنه لم ينفع الناس بإسلامه، فإذا شاع الظلم في أمته، كان ذلك مؤذنًا بانهدام هذه الأمة وخرابها، أما إذا كانت أمة كافرة يُقام فيها العدل، فإن ذلك يكون مؤذنًا بدوامها.

هذا معنى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو يُخبر عن سنة جارية من سنن الله عز وجل

ويشهد لكلمته هذا الحديث: كيف يُقدِّس الله أمة لا يُؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟

نسأل الله أن يقينا الظلم، فإنه ظلمات يوم القيامة،

وأن يجعلنا من أهل القسط والعدل،

وأن يُباعد بيننا وبين كل ما يُغضب الله سبحانه وتعالى

اللهم اجعلنا هداةً مهتدين، لا ضالين ولا مضلين
اللهم آمين

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 9 يناير, 2025 عدد الزوار : 13996 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين