عظمة الله رب العالمين: (19) سُبحانَ ذي الجبَروتِ والملَكوتِ والكِبرياءِ والعَظَمةِ

تاريخ الإضافة 19 يناير, 2025 الزيارات : 25

(19) سُبحانَ ذي الجبَروتِ والملَكوتِ والكِبرياءِ والعَظَمةِ

عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم قال في سجوده مثل ذلك رواه أبو داوود

كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد هذا الذكر، خاصة في قيام الليل:

سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة

وصلاة عوف بن مالك مع النبي صلى الله عليه وسلم هي إحدى صلوات الصحابة معه، لأن هناك عدد كبير من الصحابة صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم قيام الليل في جماعة، كابن عباس وحذيفة وغيرهم، رضوان الله عليهم أجمعين.

هنا النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة البقرة في قيامه، يعني في ركعة واحدة قرأ سورة البقرة.

وسورة البقرة، لو أن القارئ أسرع في تلاوتها، ربما يقرأها في خمسين دقيقة تقريبًا…سبحان الله، فما بالنا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقرأها بتأنٍ، وإذا مر بآية رحمة سأل الله من فضله، وإذا مر بآية عذاب تعوّذ بالله من عقابه، وهكذا.

إذاً لو فرضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بسورة البقرة في ساعة إلا ربع تقريبًا، ثم ركع، فكان ركوعه مثل قيامه سبحان الله!!

وهذه لا يقوى عليها الكثير الركوع ساعة أو ساعة إلا ربع، هذا شيء عجيب جدًا ثم قال في سجوده نحو ذلك.

وهذا كله، إشارة إلى عبودية النبي صلى الله عليه وسلم لربه، واشتياقه للوقوف بين يدي الله عز وجل وهو الذي كان يقول لبلال رضي الله عنه عندما يقيم الصلاة: (أرحنا بها يا بلال)، وكان يقول: (وجُعلت قرة عيني في الصلاة)

ما معنى هذا التسبيح؟
ترديد النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الذكر كثير جدًا، إنما هو من باب تعظيم الله وإجلاله سبحانه وتعالى:

سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة

فكان النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو اللائق بحاله، يرددها ويتدبرها ويتفكر فيها: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة
وكما قلنا من قبل، معنى تسبيح الله هو تنزيه الله عن كل نقص فمعنى سبحان الله هو أن أنزهه عن كل نقص وشر وعيب.

ثم وصف الله عز وجل بقوله: سبحان ذي الجبروت

ذي في اللغة تعني صاحب أو مالك الشيء نقول: ذو مال، ذو عيال

ذي الجبروت:

الجبروت مأخوذة من الفعل “جبر” وله ثلاث معانٍ:

  1. الجبر بمعنى الإصلاح والجبر:
    نقول: جبر الله مصابكم، أو جبر الله بخاطرك.
    فجبر يعني أصلح الكسر حتى في كلامنا نقول: الجبيرة التي تُستخدم لجبر الكسر.
    فالله تعالى يجبر قلوب المنكسرين والمحرومين والداعين له، فلا يردهم خائبين.
  2. الجبر بمعنى القهر:
    سلطان الله أي قهر الله عز وجل أي أن الله عز وجل قهر العباد، فكلهم يدينون له بالعظمة والجلال، وكلهم متصفون بالعبودية.
    عبودية القهر تعني أن كلنا مقهورون لله سبحانه وتعالى.
  3. الجبر بمعنى العلو:
    العرب تقول عن النخلة إذا كانت عالية: نخلة جبّارة، أي عالية مرتفعة
    والمقصود هنا أن الله جل وعلا له صفة العلو هو سبحانه الأعلى: (سبح اسم ربك الأعلى) [الأعلى: 1] وسمى نفسه الكبير المتعال.

         والملكوت: 

 مبالغة من الملك، والمعنى أن الله تعالى مالك كل شيء.

المالك هو السيد المتصرف قال الله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) [آل عمران: 26]

فائدة لغوية:

مادة (م ل ك) تُنطق فيها الميم على وجوه ثلاثة: الفتح والضم والكسر:

  • ملك بالكسر: هو كل ما في حوزتك وتتصرَّف فيه.
  • وبالضم: هو التصرّف في ملك مَنْ يملك، وهو المعروف في نظام المملكة.
  • وبالفتح الإرادة مثل قوله تعالى: (مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا) [طه: 87] يعني: بغير إرادتنا.

أما اللام في ملك فتأتي بالفتح والكسر:

  • بالكسر مِلك، وهو مَنْ يُملَّك في غيره في تصرفه وفي إرادته.
  • وبالفتح ملك وهو المخلوق من الملائكة.

والكبرياء والعظمة:

الكبرياء صفة كمال لله عز وجل، وهي تعني أنه سبحانه متعالٍ عن كل ظلم وكل سوء وكل شر.

الله تعالى لا يليق بجلاله أن يظلم، أو أن ينام، أو أن يحتاج إلى غيره، أو إلى طعام أو شراب، أما نحن البشر، فهناك صفات إذا اتصفنا بها كانت صفات نقص، وهناك صفات إذا اتصفنا بها كانت صفات كمال.

مثلًا: لا يليق بنا كبشر أن نتكبر، لأن هذا خاص بالله سبحانه وتعالى، أما احتياجنا إلى الطعام، أو الشراب، أو النوم، فهذا لا يعيبنا

من معاني اسم الله الصمد:

وللتوضيح من أسماء الله تبارك وتعالى: “الصمد” ومعناه الذي لا جوف له، أي لا يأكل ولا يشرب، ولما أراد الله أن يبين أن عيسى بشر، قال: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) [المائدة: 75] أي أن من يأكل فهو محتاج للطعام، فلا يليق أن يكون إلهًا.

العظمة:

تعني عظمة الله تعالى في أسمائه وصفاته؛ فلا أحد مثل الله في علمه، أو قدرته، أو رحمته، أو واسع عفوه، أو أي من صفاته، فالله له الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله.

******

خاتمة:
هذا ذكر طيب مبارك، لو أننا في قيام الليل تدبرناه وتدبرنا عظمة الله جل جلاله، لشعرنا بالمعنى الذي كان يشعر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يردد طوال ساعة تقريبًا في ركوعه وسجوده:

سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة

ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل قيام الليل،

وأن يتقبل منا أعمالنا،

وأن يصلحها لنا،

اللهم آمين.

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 9 يناير, 2025 عدد الزوار : 13996 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين