(22)اللهم ربّ السموات، وربّ الأرض، وربّ العرش العظيم
في صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن النبي ﷺ كان إذا أوى إلى فراشه قال: (اللهم ربّ السماوات، وربّ الأرض، وربّ العرش العظيم، ربنا وربّ كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شرِّ كل ذي شرٍّ أنت آخذٌ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عنَّا الدَّيْنَ وأغننا من الفقر)
هذه الكلمات التي فيها توسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها قبل أن ينام، وفي رواية الترمذي، أنه أوصى بها ابنته فاطمة رضي الله عنها لما طلبت منه خادماً في الحديث المشهور، أوصاها أن تسبح ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وتكبر أربعاً وثلاثين ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أوصاها بهذا الدعاء وذاك.
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم التوسل إلى الله بعظيم مخلوقاته فقال:
اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم
كلمة رب هنا منصوبة لأنها في محل نداء، وأداة النداء محذوفة في اللغة العربية إذا كان المنادى قريباً، وأصلها: يا رب السماوات ويا رب الأرض ويا رب العرش العظيم.
ثم توسَّل إلى الله تعالى بربوبيته على كل شيء فقال:
ربنا ورب كل شيء
فهو سبحانه وتعالى خلق كل شيء ولا خالق غيره قال الله تعالى: (هل من خالق غير الله) [فاطر: الآية 3] لا أحد خلق هذا الكون بكل ما فيه غير الله سبحانه وتعالى.
ثم توسَّل إلى الله تعالى بصفة من صفاته العظيمة:
فالق الحب والنوى
الحب يطلق على كل ما هو متعلق بالزرع، والنوى يطلق على ما هو متعلق بالشجر يقال للمزروعات حبوب، ويقال للأشجار نوى والنوى ليس فقط نوى التمر أو البلح، بل كل ما يغرس شجراً يُسمى نواة.
ومعنى فالق الحب والنوى أي الذي يفلق الشيء ويكسره.
وهذه من آيات الله العظيمة، أن توضع الحبة أو النواة في باطن الأرض، وبقدرته سبحانه تنفلق وتخرج منها النبتة التي تحمل الرزق والخيرات التي قدّرها الله تعالى لعباده.
ثم توسَّل إلى الله تعالى بأعظم الكتب التي أنزلها فقال:
ومُنزل التوراة والإنجيل والفرقان
ومعنى الفرقان هو القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، وهو أعظم كتاب أنزله الله تعالى لأنه فيه هداية الناس وبيان مراد الله تعالى من خلقه.
ثم استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم بالله من شر كل شيء فقال:
أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته
والناصية هي مقدمة الرأس والمقصود هنا أن كل المخلوقات تحت قهر الله وسلطانه، ولأن الإنسان قد يصيبه الأذى مما يعلم ومما لا يعلم، علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتوسل إلى الله بأن يكفينا شر كل شيء خلقه.
ثم توسَّل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى بأسمائه الأربعة:
الأول والآخر والظاهر والباطن
وفسرها تفسيراً سهلاً فقال:
أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء
اسمي الأول والآخر:
الأولية في الخلق لله عز وجل؛ فهو الذي خلق كل شيء ولا خالق له.
الله تعالى هو خالق كل شيء سبحانه وتعالى ولذلك إذا وسوس الشيطان للإنسان بسؤال: من خلق الله؟
فإن النبي صلى الله عليه وسلم علّمنا أن نستعيذ بالله ونقطع هذه الوسوسة.
لكن بعض العلماء قالوا: لو افترضنا جدلاً أننا نجيب على هذا السؤال، فإن كل شيء لا بد أن يكون له أول، ولو استمررنا في السؤال: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟، فلا بد أن نصل إلى أولية الخلق، وهذا الأول هو الله سبحانه وتعالى قال النبي صلى الله عليه وسلم: كان الله ولا شيء معه؛ فالله سبحانه وتعالى هو الأول فلا شيء قبله.
وهو سبحانه الآخر بعد فناء كل شيء، قال الله تعالى: (كل شيء هالك إلا وجهه) [القصص: 88] فالله سبحانه وتعالى هو الآخر فلا يبقى بعده شيء، وهنا ينادي الله جل في علاه كما في الآية: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) [غافر: 16]
اسمي الظاهر والباطن:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: وأنت الظاهر فليس فوقك شيء
الظهور هنا معناه العلو، كما في الآية: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) [التوبة: الآية 33] ليظهره تعني ليعلو دين الله على سائر الأديان، فيظهر الله برهان هذا الدين ويفتح له القلوب وتخضع له الناس.
فمعنى اسم الله “الظاهر” الذي يعلو على كل شيء، وهو العلي الأعلى.
وأما الباطن، فهو عكس الظاهر فمع علوه جل وعلا، فهو الباطن الذي لا تُدركه الأبصار، كما قال تعالى: (لا تُدركه الأبصار وهو يُدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) [الأنعام: الآية 103] فهو خفي عن الأنظار، يرى ولا يُرى، سبحانه وتعالى
وبعض العلماء فسروا الظاهر والباطن تفسيراً آخر فقالوا: الظاهر بمعنى أن دلائل صنعته وآيات خلقه تظهر لكل من ينظر في الكون، فكل شيء في هذا الخلق العظيم يدل على وحدانيته، فهو ظاهر من حيث الوضوح والبرهان.
أما الباطن، فقالوا: إنه بمعنى الذي يعلم خفايا الأمور وخباياها، عليم بذات الصدور، يعلم ظاهر الأمور وباطنها.
فهو الظاهر الذي دلّت عليه آيات خلقه، وهو الباطن الذي يعلم خفايا القلوب والأسرار، جل وعلا.
ونلاحظ ذكر هذه الأسماء الأربعة في سورة الحديد في قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) [الحديد: الآية 3 ]
ولفت العلماء الانتباه إلى أن اللغة العربية لا تستخدم عادةً واو العطف بين أسماء الله الحسنى المتتالية، مثل: وهو السميع العليم أو الغفور الرحيم لكن في هذه الآية، جاءت الواو بين الأول، والآخر، والظاهر، والباطن؟
ما السبب؟
بيّن العلماء السبب، فقالوا: لأن الشيء إما أن يكون أولاً أو آخراً، وإما أن يكون ظاهراً أو باطناً، فجاء العطف هنا ليدل على أن الله متصف بكل هذه الصفات في آنٍ واحد، ليزيل أي لبس قد يحدث عند البعض.
ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه فقال: اقضِ عنا الدين
وفي رواية الترمذي جاءت باللفظ المفرد: اقضِ عني الدين واغنني من الفقر
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه ببركة هذه الأسماء الحسنى أن يقضي عنه الدين، وأن يغنيه من الفقر.
هذا الدعاء دعاء عظيم وجليل، ينبغي لكل من سمعه أن يردده قبل نومه لينال البركة والأجر.