عظمة الله رب العالمين:  (23)اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن

تاريخ الإضافة 23 يناير, 2025 الزيارات : 57

 (23)اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن

عن ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال:

اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق وقولك حق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق اللهم لك أسلمت وعليك توكلت وبك آمنت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك

شرح الدعاء

هذا الدعاء كان ﷺ يستفتح به في قيام الليل، وهو جدير بالتأمل والحفظ والفهم والعمل، جمع فيه النبي ﷺ معاني الإيمان والتوحيد والتوكل والانقياد والتسليم والإنابة والتضرع والخضوع مع الثناء على الله، وختمه بالدعاء

وجمع فيه النبي ﷺ أنواع الاستفتاح الثلاثة، كما قال ابن تيمية -رحمه الله-: أنواع الاستفتاح للصلاة ثلاثة:

أولها: ما كان ثناء على الله وهو أعلاها.

يليه: ما كان خبرا من العبد عن عبادة الله.

والثالث: ما كان دعاء من العبد. [1]

في هذا الدعاء ذكر التوسل إليه بحمده، والثناء عليه، اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ثم ذكر العبودية له: اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، ثم بعد ذلك سأل الله المغفرة، وقال: فاغفر لي ما قدمت وما أخرت….. الحديث

قوله‏:‏ ‏‏إذا قام من الليل يتهجد‏‏‏

 تهجد‏‏ أصل الهجود‏:‏ النوم، ومعنى تهجدت‏:‏ طرحت عني النوم‏، والمتهجد المصلي ليلا‏‏، وظاهر السياق أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة‏‏.

اللهم لك الحمد

 ‏أصل اللهم: الله والميم فيها عوض عن ياء النداء عند الجمهور، والمراد دعاء الله وحده لا شريك له، فأصلها: يالله فلما حذف حرف النداء زيد الميم في آخره.

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: وقيل الميم كالواو الدالة على الجمع كأن الداعي قال: يا من اجتمعت له الأسماء الحسنى، ولذلك شددت الميم لتكون عوضاً عن علامة الجمع، وقد جاء عن الحسن البصري: اللهم مجتمع الدعاء، وعن النضر بن شميل: من قال اللهم فقد سأل الله بجميع أسمائه.

لك الحمد

 الحمد عكس الذم، ومعناها أن الله تبارك وتعالى له كل صفات الكمال والجمال والجلال فهو سبحانه كامل في ذاته، وصفاته، وأفعاله.

 والحمد وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم، لأن مجرد وصفه بالكمال بدون محبة، ولا تعظيم: لا يسمى حمداً؛ وإنما يسمى مدحاً؛ ولهذا يقع من إنسان لا يحب الممدوح؛ لكنه يريد أن ينال منه شيئاً، كما كان بعض الشعراء يفعل ابتغاء المال، ولكن حمدنا لربنا عزّ وجلّ حمدَ محبةٍ، وتعظيمٍ.

قوله‏:‏ ‏‏قيم السماوات

‏‏ وفي رواية لمسلم: (قيام) وقيم قيام قيوم كلها صيغة مبالغة تدل على قوة القيام وكماله، والقيام نقيض الجلوس، يقال: قام يقوم قياما، فهو قائم، وهو قيّام على الشيء هو المراعاة للشيء والحفظ له، ومنه اسم القيوم صيغة مبالغة من القيام، فعله قام، والقيم هو السيد ويسمى في عصرنا المدير الذي يسوس الأمور القائم بنفسه، المقيم لغيره.

ومعناه: أنه جل جلاله قائم بأمر الخلق برزقه ورعايته وحفظه، وما من شيء إلا وإقامته بأمره وتدبيره سبحانه وتعالى، وهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته، فإنه القائم بنفسه، فلا يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه، المقيم لغيره فلا قيام لغيره إلا بإقامته.

قوله‏:‏ ‏‏أنت نور السماوات والأرض

‏‏ أي‏:‏ منورهما، وبك يهتدي من فيهما‏‏.

 قال الشيخ السعدي: من أسمائه جلّ جلاله ومن أوصافه النور الذي هو وصفه العظيم، فإنه ذو الجلال والإكرام، وذو البهاء والسبحات الذي لو كشف الحجاب عن وجهه الكريم لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه، وهو الذي استنارت به العوالم كلها، فبنور وجهه أشرقت الظلمات، واستنار به العرش والكرسي والسبع الطباق وجميع الأكوان.

قوله‏:‏ ‏‏أنت ملك السماوات والأرض

‏‏ الملِك: هو ذو الملك وصاحب التصرف فيما يملك؛ فالله هو الملك صاحب التصرف المطلق الآمر الناهي الذي يصرف أمور عباده كما يشاء.

قوله‏:‏ ‏‏أنت الحق‏‏ 

أي‏:‏ المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه، والله هو الحق: في ذاته، وصفاته، فهو واجب الوجود كامل الصفات والنعوت، وجوده من لوازم ذاته، ولا وجود لشيء من الأشياء إلا به؛ فهو الذي لم يزل، ولا يزال بالجلال، والجمال، والكمال، موصوفًا، ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفًا، فقوله حق، وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسوله حق، وكتبه حق، ودينه هو الحق، وعبادته وحده لا شريك له هي الحق، وكل شيء إليه فهو حق منه سبحانه وتعالى

قوله‏:‏ ‏‏ووعدك الحق

‏ ‏أي الثابت، لأن إخلاف الميعاد يكون إما لكذب الواعد يعد فيُخلف، وإما لأنه عاجز، فانتفاء إخلاف الله الميعاد لكمال صدقه، وكمال قدرته عز وجل، فلكمال صدقه وكمال قدرته لا يخلف الميعاد؛ قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران: 9] ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده أبدًا، سواء كان وعده بالخير أو بالشر، فهو سبحانه إذا وعد المؤمنين بالنصر والجنة أو وعد الكافرين بالعقاب والنار، فإن وعده حق لا يتغير ولا يتبدل.

قوله‏:‏ ‏‏ولقاؤك حق‏‏

فيه الإقرار بالبعث بعد الموت، وقيل‏:‏ معنى‏‏ لقاؤك حق‏‏ أي الموت. 

قوله‏:‏ ‏‏وقولك حق‏‏

 أي كله متحقق لا شك فيه وقيل: معناه خبرك حق وصدق.

قوله‏:‏ ‏‏والجنة حق والنار حق‏‏

 يعني أن الجنة والنار هما من الحقائق الثابتة التي لا شك فيها؛ والجنة هي دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين الذين يتبعون هديه، والنار هي دار العذاب التي أعدها الله تعالى للكافرين والمكذبين.

قوله‏:‏ ‏والنبيون حق

 يعني نؤمن بأنبياء الله ورسله جميعا (لا ‌نفرق ‌بين ‌أحد ‌من ‌رسله) [البقرة: 285]

‏ومحمد صلى الله عليه وسلم حق‏‏ خصه بالذكر تعظيما له. 

قوله‏:‏ ‏‏والساعة حق‏‏ 

أصل الساعة‏:‏ القطعة من الزمان، والساعة حق يعني يوم القيامة؛ وما فيها من الحساب، ونشر الصحف، الميزان، الصراط، الحوض…الخ.

وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها وأنها مما يجب أن يصدق بها‏‏ وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد‏‏.

وإذا عرف المؤمن أن وعده حق، وأن لقاءه حق، وأن قوله حق؛ فإنه يبدأ يحاسب نفسه على كل ما فعل، وأنه يحتاج إلى العمل والجد والاجتهاد، والمحاسبة للنفس على الصغير والكبير، فيكون عليه حسيب من نفسه.

قوله‏:‏ ‏‏اللهم لك أسلمت‏‏

 بدأ الآن بالدعاء، بعد كل ما تقدم من الثناء، وبعد كل ما تقدم من الاعتراف والإقرارات الإيمانية، اللهم لك أسلمت استسلمت وأطعت انقدت لحكمك وأمرك ونهيك، وسلمت ورضيت وآمنت وصدقت واستيقنت.

‏‏وبك آمنت‏‏

 صدقت بما أنزلت وما أخبرت، وما أمرت وما نهيت.

وقوله: بك آمنت أقوى من آمنت بك، بك آمنت يجمع الإيمان بالله وأني لم أؤمن إلا بتوفيقك، أما قول: آمنت بك مجرد الإخبار عن الإيمان، إذن بك فيها استعانة، بك توفيقا منك، غير آمنت بك مجرد الإخبار، بك آمنت إخبار وإقرار بأن الإيمان كان بتوفيق منه -سبحانه-

‏‏وعليك توكلت‏‏ 

أي‏:‏ فوضت الأمر إليك تاركا للنظر في الأسباب العادية، تبرؤ من الحول والقوة، وتفويض الأمور إلى الله، ومن توكل على الله كفاه.

‏‏وإليك أنبت‏‏‏

‏ أي: رجعت إلى الخير، والمنيب الراجع المقبل على الله، قال تعالى: (وأنيبوا إلى ربكم) [الزمر: 54]، أي عودوا إلى ما يحبه ويرضاه، وارجعوا إليه بالتوبة.

قوله‏:‏ ‏‏وبك خاصمت‏‏

أي‏:‏ بما أعطيتني من البرهان، وبما لقنتني من الحجة‏‏، وبك خاصمت مستعينا بك في جدال أعدائك، وبالحجج التي أنزلتها وذكرتها والدلائل والبراهين.

قوله‏:‏ ‏‏وإليك حاكمت

‏‏ أي‏:‏ وإليك حاكمت إلى شرعك حاكمت، لا إلى كاهن، ولا إلى بشر بقوانين أرضية

المخاصمة ليس لهواي وحظي، وإنما من أجلك يا الله، وإلى دينك حاكمت، لا إلى هواي ولا إلى هوى غيري، فمن خاصم لنفسه ينتصر لنفسه، ولكن النبي ﷺ ما انتقم لنفسه، ومن حاكم إلى شريعة الله لن يتحاكم إلى غيره.

وقوله‏:‏ ‏‏فاغفر لي

‏‏ قال ذلك مع كونه مغفورا له، إما على سبيل التواضع وإجلالا وتعظيما لربه، أو على سبيل التعليم لأمته لتقتدي به. 

قوله‏:‏ ‏‏ما قدمت‏، ‏وما أخرت‏‏ 

ما قدمت وما سلف مني من الذنوب والأعمال السيئة، وما أخرت عما سيقع بعد ذلك

وقيل: ما قدمت من سيئة، وما أخرت من عمل.

 وقيل: ما قدمت من شهواتي على حقوقك وما أخرت من الحقوق التي تجب لك.

قوله‏:‏ ‏‏وما أسررت وما أعلنت‏‏

 أي‏:‏ أخفيت وأظهرت، أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني‏‏.

قوله‏:‏ ‏‏أنت المقدم وأنت المؤخر

‏‏ أنت المقدم وأنت المؤخر تقدم من شئت من خلقك إلى رحمتك، وتؤخر من شئت عن ذلك بخذلانهم.

 ومن قدّمه الله فلا مؤخّر له، ومن أخّره الله فلا مقدّم له.

 لو اجتمعت الأمة كلها على أن يؤخّروا ما قدّم الله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

 ولو اجتمعوا كلهم على أن يؤخّروا ما قدّم الله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

 وأنت إذا ءامنت بهذا اعتمدت على الله وصار الناس كلهم خلف ظهرك.

ثم قال: لا إله إلا أنت

  ختمها بالتوحيد، وهذه الكلمة التي لوزنت بها السماوات والأرض لرجحت بالسماوات والأرض، لأنها كلمة الإخلاص.

أو قال: لا إله غيرك

 أو هنا شك من الراوي، وهذا الشك لا يضر لأن المعنى واحد

******

في هذا الحديث دليل على صدق التجاء الرسول صلى الله عليه وسلّم إلى ربه، وعلى ثنائه على ربه عز وجل، والثناء على الله دعاء بلسان الحال، لأن المثني على الله لو سألته لماذا أثنيت؟ 

رجاء الثواب وخوف العقاب، فالثناء على الله يُعتبر دعاء في الحقيقة، ولهذا جاء في الحديث: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) وإن كان هذا الحديث فيه نظر لكن يدل على أن الثناء قد يقوم مقام الدعاء.

وقال الشاعر:
 إذا أثنى عليك المرء يوما    كفاه من تعرّضه الثناء

معناه أنه يكفيه الثناء لأن الثناء عند الكريم طلب وسؤال وحاجة.


[1] مجموع الفتاوى: 22/342


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14044 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع