(السائحون) ما علاقة السياحة بالصيام؟

تاريخ الإضافة 9 مارس, 2024 الزيارات : 1872

ما علاقة السياحة بالصيام؟

مقالة للشيخ إبراهيم السكران(مع اختصار يسير)

كان فيمن كان قبلنا من الأمم أقوامٌ تشتد رغبتهم في عبادة الله، فيتقرّبون له بالرهبانية، يتقربون لله بترك اللذائذ والشهوات  والانقطاع عن الناس في الصوامع، كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة الحديد عن النصارى (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ)[الحديد:27].

«والرهبانية»: بفتح الراء أصلها الرهبة، وتُضم؛ وهي بالضم «رُهبانية» تكون نسبة للرُّهبان، ولكن لماذا أُخذت من الرهبة؟ لأن مثل هذا المستوى من التقرُّب يكون باعثه شدة الخوف والرهبة وضعف الرجاء فيحمِل العابد نفسه على المشقات من شدة الخوف والرهبة من الله.

وكان من ألوان وأنواع هذه الرهبانية ما يسمى «السياحة»، هذه عبادة في الأمم السابقة كانوا يتعبدون بها اسمها «السياحة» وهي: أن يأخذ العابد نفسه بالتواري في الأرض؛ يمشي في البرية لغير مقصد، ويصرف نفسه عن التماس الزاد ويتوكل على الله أن يرزقه عند الحاجة- هذا فيما يعتقدون -.

وقال «سفيان بن عيينة»: «إذا ترك الطعام والشراب والنساء فهو السائح»، وكما جاء النصّ القرآني في أن الرهبانية بدعة فقد جاءت الآثار عن أن السياحة بهذا المعنى بدعة أيضاً، وأنه لا سياحة في الإسلام بهذا المعنى الرهباني السابق كما جاء عن «طاووس» أنه قال: «لا سياحة في الإسلام»، وهذا الأثر عند عبد الرزاق في مصنفه.

وفي المرويات التي طاف «الخلال» الدنيا لجمعها عن الإمام أحمد وكان منها جزء عن (أحكام النساء)؛ سُئل الإمام أحمد عن الرجل يسيح يتعبّد أحبّ إليك أم المُقام في الأمصار؟ فقال الإمام أحمد: (ما السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين).

وسُئل الإمام أحمد أيضاً في نفس هذا الكتاب -في نفس هذا الموضع- قيل له: ما تقول في السياحة يا أبا عبد الله؟ قال: (لا، التزويج ولزوم المساجد).

ونبّه الإمام ابن تيمية أنَّ السياحة من أفراد الرهبانية فقال في «الاقتضاء»: (وأما السياحة التي هي الخروج في البرية لغير مقصد معين فليست من عمل هذه الأمة؛ وهي من الرهبانية المبتدعة)، فالسياحة من أجناس وأفراد الرهبانية المبتدعة.

هل هذا كل شيء في هذا المعنى؟

هل يقتصر الأمر على أن الأمم السابقة كان فيهم رهبانية وسياحة وأن الله منع عنّا الرهبانية؟

لا طبعاً، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما نهى عن شيء إلا وشرع لهذه الأمة ما هو خيرٌ منه:

  • فإن كان شراً شرع لنا ما هو ضده من الخير.
  • وإن كان خيرا اختلط بشرّ شرع لنا ما هو من جنسه بتخليص ما فيه من الشر.

وهذه الرهبانية والسياحة التي كانت فيمن كان من الأمم ويعدونها أعلى مراتب الانقطاع إلى الله وأعلى مراتب الانصراف عن الغرائز ومدافعتها وقطعها؛ شرع الله لنا بدلاً عنها وهي: عبادة الصوم، واللطيف حقاً أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سمّاها «السياحة»، فإن الله جلَّ وعلا يقول في سورة التوبة: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)[التوبة:112].

وجماهير السلف على أن «السياحة» هنا في هذا الموضع هي: عبادة الصيام، وجاء فيها أحاديث مرفوعة وموقوفة ومقطوعة، بل إن ابن جرير الطبري على تبحُّره المعروف في نقل خلاف السلف في التفسير -وهذا أمر مشهور- ابن جرير الطبري من أخبر الناس بمقالات أهل العلم في التفسير ومن أنقل الناس لها، يحرص على نقل الخلاف في التفسير -خلاف أئمة السلف- لَمْ يَنْقُلْ في تفسير هذه الآية إلا هذا القول، ما نقل عن أئمة السلف في معنى السياحة إلا هذا القول أنها عبادة الصيام، وهو أن السائحين هم الصائمون، لكن ما علاقة السياحة بالصيام؟

إذا عرفنا الآن أن قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في هذه الآية في سورة التوبة «السائحون» أن معناها هم الصائمون:

فما علاقة «السياحة» بالصيام؟

ولماذا سُمِّيت عبادة الصيام بـ«السياحة» ؟ والتي نعرف أنه كان فيمن كان قبلنا من الأمم من كان يعمل بمثل هذه «السياحة» ونهى الله عنها، لماذا اختار الله أن يُعبِّر عن عبادة الصوم بـ«السياحة» ؟

يقول ابن عطية في تفسيره: (وشبَّه الصائم بالسائح من حيث ينهمل السائح ولا ينظر في زادٍ ولا مطعم، وكذلك الصائم يُمسك عن ذلك فيستوي هو والسائح في الامتناع وشظف العيش لفقد الطعام).

وقال «الأزهري» -من أئمة اللغة-: (قيل للصائم سائح؛ لأن الذي يسيح في الأرض مُتعبِّدا لا زاد معه، كان مُمسكاً عن الأكل والصائم يُمسك عن الأكل، فلهذه المُشابهة سمي الصائم سائحاً).

لعلك تلاحظ الآن أن تسمية الصوم بـ«السياحة» التي بلغت في الأمم السابقة غاية ما يكون من الانقطاع إلى الله؛ فيه إلماحة تشريفية بديعة لعبادة الصوم، وثمَّة عبادة أخرى شاركت الصوم في هذه التسمية وهي كما قال ابن تيمية : (فُسِّرت السياحة بالصيام وفُسِّرت بالجهاد وكلاهما مرويٌّ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 278 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم