“الله أكبر”
معناها وفضلها ومواضع قولها
معناها وفضلها ومواضع قولها
تكبير الله تعالى من أعظم أنواع الذكر وأجلها، ولعظيم شأن التكبير فإن الله تعالى شرعه في أشرف المواضع وأعلاها كالصلاة والصيام والحج والأعياد والجهاد وغيرها، كما سنفصل إن شاء الله .
معنى التكبير
التكبير هو تعظيم الربّ تبارك وتعالى ، واعتقاد أنّه لا شيء أكبرُ ولا أعظمُ منه، فيصغر دون جلاله كلُّ كبير، فهو الذي خضعت له الرقاب وذلَّت له الجبابرة، وعنت له الوجوه، وقهر كلَّ شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوّه وقدرته الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت حكمه وقهره المخلوقات، فالله اكبر من كل شيء ،الله اكبر من كل ما يخطر ببالك ، الله أكبر من أن يحيط أحد به علما ، الله أكبر من أن تدركه الأبصار ، الله أكبر من أن يكون له مثيل أو شبيه أو ند أو نظير ، (ولم يكن له كفوا أحد) الله أكبر من كل مخلوقاته ، وصفاته أكبر وأعظم من صفات مخلوقاته ، وهو سبحانه وتعالى لا يشبه مخلوقاته ، وصفاته لا تشبه صفات مخلوقاته ، فرحمته أكبر بكثير من رحمة مخلوقاته ، وعلمه أكبر بكثير من علم مخلوقاته وقوته أكبر بكثير من قوة مخلوقاته وهكذا في بقية الصفات .
قال القرطبي رحمه الله تعالى: قوله عز وجل (وكبره تكبيرا) أي: عظمه عظمة تامة، ويقال: أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال (الله أكبر) أي: صِفْهُ بأنه أكبر من كل شيء… ثم نقل القرطبي عن عمر رضي الله عنه قوله: قول العبد (الله أكبر) خير من الدنيا وما فيها.
وفي هذا الأمر الرباني بتكبيره سبحانه وتعالى تنبيه على أن العبد وإن بالغ في التنزيه والتمجيد، واجتهد في الطاعة والتحميد ينبغي أن يعترف بالقصور في ذلك، وأن يعلم أن شأن الله تعالى أكبر وأجل وأعظم مما يظنه البشر، وأن الصالحين من البشر مهما تعبدوا لله تعالى فلن يفوه حقه، ولن يكافئوا نعمه.
وبهذا تتبيّن مكانةُ التكبير، وجلالةُ قدره، وعِظمُ شأنه، ومقامه من الدين، فليس التكبيرُ كلمةً لا معنى لها، أو لفظةً لا مضمون فيها، بل هي كلمةٌ عظيمة تتضمّن معانٍ جليلة، ومقاصد كبيرة.
ومما يبين عظمة التكبير، وجلالة قدره أنّ الدِّينَ كلَّه يُعدُّ تفصيلاً لكلمة (الله أكبر) فالمسلم يقوم بالطاعات جميعها ويجتنب المحرمات كلّها؛ تكبيراً لله تعالى، وتعظيماً لشأنه عز وجل، وقياماً بحقِّه سبحانه.
والتكبير ليس معناه أن الله تعالى كبير فحسب، وإنما يُراد به أن يكون الله تعالى عند العبد أكبر من كلِّ شيء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه وهو يدعوه إلى الإسلام: (يا عَدِىُّ بن حَاتِمٍ ما أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ لاَ إِلَهَ إلا الله فَهَلْ من إِلَهٍ إلا الله؟ ما أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ الله أَكْبَرُ فَهَلْ شيءٌ هو أَكْبَرُ مِنَ الله عز وجل، قال عدي: فأسلمت فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ) رواه أحمد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وفي قوله (الله أكبر) إثبات عظمته؛ فإنّ الكبرياء تتضمّن العظمة، ولكن الكبرياء أكمل؛ ولهذا جاءت الألفاظ المشروعة في الصلاة والأذان بقول: (الله أكبر) فإنّ ذلك أكمل من قول (الله أعظم) كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما عذّبته) فجعل العظمة كالإزار، والكبرياء كالرداء، ومعلوم أنّ الرداء أشرف، فلمّا كان التكبيرُ أبلغَ من التعظيم صرّح بلفظه، وتضمّن ذلك التعظيم.اهـ
فضل التكبير
ويدل على عِظم منزلة التكبير ما يلي:
أمرالله بالتكبير في كتابه العزيز، كما في الآيات التالية:
1 – قوله تعالى: { وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185].
2 – قوله عز وجل: { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } [الإسراء:111].
3 – قوله تعالى: { لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ } [الحج:37].
4 – قوله سبحانه وتعالى: { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } [المدثر:3].
وفي السنة المطهرة :
1 – التكبير من الكلمات الأربع التي هي أفضل الكلام بعد القرآن، وهن أحب الكلام إلى الله عز وجل، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح: “أحب الكلام إلا الله تعالى أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا يضرُّك بأيهنَّ بدأت”.
2 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطُّ، ولا كبَّرَ مُكَبِّرٌ قَطُّ، إلَّا بُشِّرَ»، قيل: يا رسول الله بالجنَّة؟ قال: “نعم” أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقال المنذري: “إسناده رجال الصحيح”.
3- وبالتكبير تُفتحُ أبوابُ السماء: عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -، قال: بينما نحنُ نُصلِّي مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال رجلٌ من القوم: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «من القائلُ كذا وكذا؟»، فقال رجلٌ: أنا يا رسول الله، قال: «عجِبتُ لها، فُتِّحت لها أبوابُ السماء». قال ابنُ عمر: “فما تركتُهنَّ منذ سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ ذلك”. أخرجه مسلم
4- أنه يملأ ما بين السماء واﻷرض، فقد جاء في الحديث: «التَّسْبِيحُ نِصْفُ المِيزَانِ، وَالْحَمْدُ يَمْلَؤُهُ، وَالتَّكْبِيرُ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ». أخرجه أحمد في مسنده
المواطن التي يشرع فيها التكبير
1- التكبير شعار الصلاة:
فقد شرع قبلها كاﻷذان واﻹقامة، وفيها: ابتداء من تكبيرة اﻹحرام، ثم عند كل رفع، وخفض، فيما عدا الرفع من الركوع، فإنه شرع فيه التحميد، وشرع بعدها في التسبيحات، والحكمة من التكبير في الصلاة، فقد قال اﻹمام العز بن عبد السلام:“ولما كان مقصود الصلاة الذكر، وجب أن يعرف قدر المذكور، وملاحظته ليلزم معه الأدب؛ فافتتحت بالتكبير الدال على الكبرياء؛ ليعلم لمن هو قائم وقاعد ورائع وساجد؛ ليخضع له خضوعا يجب مثله لكبريائه، فاذا لاحظ كبرياءه لزم آداب الصلاة والطهارة والنظافة الظاهرة والباطنة، واشتغل بالله وحده.
2- التكبير لرؤية الهلال:
كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: ”اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَيْنا بالأمْنِ والإِيْمَانِ والسَّلامَةِ والإِسلامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبُّنا وَرَبُّكَ اللَّه” أخرجه الدارمي في مسنده، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما
3– التكبير عند السفر وركوب وسيلة النقل ( دابة أو سيارة أو طائرة ):
كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كَبَّر ثلاثاً، ثم قال: سُبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنَّا له مُقرنين… وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون” أخرجه مسلم.
وعن علي رضي الله عنه أنه: “أُتِيَ بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الرِّكاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) ثم قال: الحمد لله ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات… قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت…” ويُقاس على الدابة كل مركوب، فيدخل في ذلك جميع وسائل النقل الحديثة من السيارات والطائرات والقطارات والسفن.
4- التكبير إذا علا المسافر مرتَفَعاً:
يُستحب للمسافر: التكبير ثلاث مرات إذا علا مكاناً مُرتفعاً من الأرض كالجبال أو كُثبان الرمل العالية أو عند صعود الأبنية الشاهقة، وكذلك إذا أشرف على المُدن والقِفار وهو في الطائرة، ويدل على استحباب التكبير في حال الارتفاع والصعود ما يلي:
– ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: “كُنا إذا صَعِدنا كبَّرنا، وإذا نزَلنا سبَّحنا”
والحكمة من التكبير عند الارتفاع: استشعرا كبرياء الله عز وجل، فعندما تقع العين على عظيم خلق الله، يُكبِّر المسلم ليتذكر أن الله أكبر من كل شيء.
وأيضا حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قَفل من غزوٍ أو حجٍ أو عمرةٍ يُكبِّرُ على كل شَرَفٍ من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده” متفق عليه.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني قال: “عليك بتقوى الله، والتكبير على كلِّ شَرَفٍ…”.
5-التكبير عند سماع خبر مفرح، وبشارة خير:
وقد جاء في الحديث الطويل: “أَخْرِج بَعْثَ النار… مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ”.وفيه يروي أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أبشروا، فإن منكم رجلا، ومن يأجوج ومأجوج ألفا، ثم قال: والذي نفسي بيده، إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبرنا، فقال: أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، فكبرنا، فقال: أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، فكبرنا…”.وفي رواية: “..إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة، قال: فحمدنا الله وكبرنا” أخرجه البخاري
6- التكبير عند الحريق:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم الحريق، فكبروا، فإن التكبير يطفئه”. رواه الطبراني واختلف على صحته.
7- التكبير عند ذبح الأضحية والهدي :
الهدي والأضاحي من الشعائر العظيمة، والمناسك الكبيرة التي يتقرب بها المسلمون لربهم، وشرع التكبير عند تقريبها لله تعالى، فلا تذبح ولا تنحر إلا بذكر اسمه عز وجل وتكبيره عليها ﴿ لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ ﴾ [الحج:37] وعن أنس رضي الله عنه قال: “ضَحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين. قال: ورأيته يذبحهما بيده. ورأيته واضعا قدمه على صِفاحِهما. قال: وسمى وكبر”. وفي رواية: ويقول: “باسم الله، والله أكبر». أخرجه مسلم
8- التكبير أحد معالم الحج:
والحج من أعظم الشعائر وأظهرها؛ فشرع فيه التكبير في مواضع عدة، مثل التكبير في الطواف عند استلام الحجر الأسود أو الإشارة إليه، والتكبير على الصفا وعلى المروة، والتكبير مع رمي الجمار، والتكبير في أيام التشريق ﴿ وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة:203]. فالأيام المعدودات هي أيام التشريق، وأشهر الذكر فيها هو التكبير المطلق في كل وقت، والمقيد عقب الصلوات.
ويُشرع أيضا للحاج إذا غدا من منى إلى عرفة ذكر الله بالتَّلبية والتكبير؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن أنس بن مالك رضي الله عنه سُئل كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: “كان يُهِلُّ منا المُهِل، ويُكبِّر منا المُكبِّر فلا يُنكر عليه” متفق عليه
وأخرج مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات، منا المُلبي ومنا المُكبر”
وهذان الحديثان يدلان على استحباب التلبية والتكبير في يوم عرفة من حين الذهاب من منى إلى عرفة، وأن الحاج مُخير بينهما؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم على ذلك.
9- التكبير في عشر ذي الحجة وفي أيام التشريق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ والتحميد ” أخرجه أحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما بسند حسن.
والمشهور أن التكبير ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول:التكبير المطلق أو المرسل:
وهو الذي لم يُقيَّد بأدبار الصلوات، ويُسنُّ الجهر به في كلِّ حال؛ في البيوت، وفي الطُّرقات، والأسواق والمساجد أيام العشر، لا سيَّما ليلة العيد، وعند الخروج لصلاة العيد؛ اقتداء بما أُثِر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه البَررة الكِرام ومن بعدهم من التابعين، وقد ذكَر البخاري في صحيحه تَعليقًا عن ابن عمر وأبي هريرة – رضي الله عنهما – أنَّهما كانا يَخرُجان إلى السوق أيام العشر، فيُكبِّران ويُكبِّر الناس بتكبيرهما، وكان عمر بن الخطاب وابنه عبدالله – رضي الله عنهما – يُكبِّران في أيام مِنًى في المسجد وفي الخيمة، ويَرفعان أصواتَهما بذلك، حتى ترتجَّ منًى تَكبيرًا.
ووقت التكبير المطلق من دخول عشر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة. ويدل على مشروعيته ما يلي:
قوله تعالى: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } [الحج:28]، والأيام المعلومات هي: أيام عشر ذي الحجة عند جمهور العلماء، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما كما حكاه البخاري عنه.
وما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم من آثار، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُكبر في قُبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيُكبرون ويُكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى بالتكبير(، وكان ابن عمر رضي الله عنه يُكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه، وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرُجان إلى السوق في أيام العشر يُكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
القسم الثاني:التكبير المُقيد:
وهو التكبير الذي يكون عقب الصلوات، ويُعرف عند الحنفية بتكبير التشريق، ولا خلاف بين الفقهاء في مشروعية التكبير بعد الصلوات المفروضة للمحل والمحرم في عيد النحر (الأضحى) وأيام التشريق؛ لقوله تعالى: { وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة:203].
فقد أمر الله عز وجل عباده بالتكبير بعد الصلوات في الأيام المعدودات وهي: أيام التشريق بالإجماع، وتسمى أيام منى، وأيام رمي الجمار.
وإنما وقع الخلاف بين الفقهاء في وقت التكبير، وفي صفته.
وقت التكبير المقيد:
اختلف الفقهاء في تحديد وقت التكبير المقيد على ثلاثة أقوال:
الأول: قول أبي حنيفة أن التكبير يبدأ من بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر، واستدلوا على ذلك بما يلي:
قوله تعالى: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } [الحج:28]، وبالإجماع أنه لا يُكبر – التكبير المقيد – قبل يوم عرفة، فينبغي أن يكبر يوم عرفة ويوم النحر، أما يوم عرفة فللآثار عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وأما نهايته فلأن البداءة لمّا كانت في يوم يؤدى فيه ركن الحج فالقطع مثله يكون في يوم النحر الذي يؤدى فيه ركن الحج من الطواف.
القول الثاني: قول مالك والشافعي في المشهور عنه ورواية عن أحمد: أنه يبدأ من بعد صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وحجتهم في ذلك: أن الحُجَّاج يقطعون التلبية مع أول حصاة، ويكبرون مع الرمي، وإنما يرمون يوم النحر، وأول صلاة بعد ذلك الظهر، وآخر صلاة يصلون بمنى الفجر من اليوم الثالث من أيام التشريق، والناس تبع للحجاج.
القول الثالث: قول الحنابلة وقول عند الشافعية: أن التكبير يبدأ للحاج من ظهر يوم النحر، ولغير الحاج من صلاة الفجر يوم عرفة، وينتهي للحاج وغيره عصر آخر أيام التشريق.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1 – قوله تعالى: { وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } [البقرة:203]، وهي: أيام التشريق – كما سبق قريباً – فيتعين الذكر في جميعها، والتكبير من ذكر الله تعالى.
2 – حديث أنس رضي الله عنه: “كان يُهِلُّ منا المُهِلُّ، ويُكبِّرُ منا المُكبِّرُ، فلا يُنكرُ عليه”، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: “غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات، منا المُلبي ومنا المُكبر”، فقد دل الحديثان على مشروعية التكبير للمحرم من غداة يوم عرفة، ومن باب أولى المُحِل.
3 – حديث علي وعمار رضي الله عنهما مرفوعاً: “… ويُكبِّر في دبر الصلوات المكتوبات، من صلاة الفجر غداة عرفة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق…”.
4 – حديث جابر صلى الله عليه وسلم قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكبِّر يوم عرفة صلاة الغداة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق”.
5 – إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فقد روي هذا القول عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم، قيل للإمام أحمد: بأي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال: بالإجماع، عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم. ا.هـ.
6 – أن أيام التشريق يشرع الرمي فيها، فيشرع التكبير فيها كيوم النحر.
وأما بداية التكبير للمحرم بالحج، فإنه يُكبر من صلاة الظهر يوم النحر؛ لأنه كان مشغولاً قبل ذلك بالتلبية المشروعة.
والراجح هو: القول الثالث: لقوة أدلته، وهو اختيار ابن قدامة وابن تيمية والنووي وابن كثير، قال النووي: وهو الأظهر عند المحققين، وذكر ابن تيمية أنه أصح الأقوال، وعليه السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة، وقال ابن كثير إنه أشهر الأقوال وعليه العمل.
صفة التكبير المقيد.
اختلف الفقهاء في صفة التكبير المقيد بأدبار الصلوات على قولين:
الأول: قول الحنفية والحنابلة، وقول عند المالكية، وقول الشافعي في القديم: أن التكبير المسنون هو: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)، واستدلوا على ذلك بما يلي:
ما ورد من الأثر عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان: “الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد”.
القول الثاني: قول المالكية والشافعية: أن صفة التكبير المسنونة هي: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر)، واستدلوا على ذلك بما يلي:
ما روي عن جابر رضي الله عنه أنه كان يكبر في الصلوات أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ثلاثاً، وعن ابن عباس رضي الله عنهما مثله.
والأثر عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم: أنه يُكبر ثلاثاً.
قال ابن تيميَّة – رحمه الله – : “صفة التكبير المنقول عن أكثر الصحابة رُويَ مرفوعًا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – : “الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد”، وإنْ قال: الله أكبر ثلاثًا، جاز، ومِن الفقهاء من يُكبِّر ثلاثًا فقط، ومنهم من يُكبِّر ثلاثًا ويقول: لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له المُلكُ وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” مجموع الفتاوى ج (24)، ص (220).
وقال الشافعيُّ: “إنْ زاد فقال: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله، ولا نَعبُد إلا إيَّاه، مُخلِصين له الدين ولو كَرِه الكافرون، لا إله إلا الله وحدَه، صدَق وعْده، ونَصَر عبْده، وهزَم الأحزاب وحدَه، لا إله إلا الله، والله أكبر، كان حسنًا” “الأم” (1 /241) .
والراجح: أن الأمر في صفة التكبير المقيد واسع، فإن كبَّر على الصفة التي ذكرها الجمهور في القول الأول فحسن، وإن كبر بالصفة المذكورة في القول الثاني فلا بأس؛ لأنه لم يثبت حديث صحيح في صفته، ولاختلاف الآثار في ذلك.