من أمراض القلوب :الرياء أسبابه وعلاجه

تاريخ الإضافة 2 يناير, 2023 الزيارات : 1948

من أمراض القلوب :الرياء أسبابه وعلاجه

الرياء ينافي الإخلاص الذي يقتضي أن يقصد المسلم بعمله الله وحده لا شريك له ، قال سبحانه : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } (البينة: 5) ، والمرائي في الحقيقة جعل العبادات مطية لتحصيل أغراض دنيوية ، وهي أن يمدح ويذكر بين الناس.

 وبين سبحانه أن مراءاة الناس بالأعمال من أخص صفات أهل النفاق فقال سبحانه : { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس } (النساء: 142) ، وبين النبي – صلى الله عليه وسلم – في أحاديث كثيرة خطورة الرياء على دين العبد وعاقبة المرائين ، وبين أنه يخاف على أمته من الشرك الخفي أكثر مما يخاف عليهم من المسيح الدجال ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قلنا : بلى ، فقال : الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل ) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

 وما ذاك إلا لأن الداعي إلى الرياء قوي في النفوس ، ومغروس في الفطر ، فالنفوس مجبولة على حب الثناء والمنزلة في قلوب الخلق ، وتجنب الذم واللوم .

تعريف الرياء:

هو : أن يقوم العبد بالعبادة – التي يتقرب بها إلى الله – لا يريد بها وجه الله عز وجل وحده بل يريد بها غرضاً دنيوياً ، وفرق العلماء بين الرياء والسمعة بأن الرياء هو العمل لرؤية الناس ، وأما السمعة فالعمل لأجل سماعهم ، فالرياء يتعلق بحاسة البصر ، والسمعة بحاسة السمع ، وفي الحديث ( من سمَّع سمَّع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به ) رواه البخاري .

الترهيب من الرياء:

 الرياء من معاصي القلوب الشديدة الخطر على النفس وعلى العمل، وهو من الكبائر الموبقة، ولهذا اشتد الوعيد عليه في القرآن والحديث، يقول تعالى: (كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا، لا يقدرون على شيء مما كسبوا، والله لا يهدي القوم الكافرين)البقرة 264

وقال في سورة أخرى: (والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا).النساء 38

وقال جل شأنه: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)النساء 142

وأما الأحاديث فكثيرة منها :

عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد، فأتى به، فعرفه نعمته فعرفها، قال: فما عملت فيها؟

قال: قاتلت فيك حتى استشهدت.

قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: هو جرئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار،

 ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتى به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟

قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن.

قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار،

ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال، فأتى به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما علمت فيها؟

قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار” رواه مسلم.

ولما بلغ معاوية هذا الحديث، بكى حتى غشي عليه، فلما أفاق قال: صدق الله ورسوله. قال الله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار).

وقد يسأل بعض الناس: لماذا هذا العذاب والوعيد الذي يتطاير شرره، وقد فعل الخير؟

والجواب: إن الإسلام يهتم بالباعث على العمل أكثر من العمل نفسه، وقد علم بالفطرة أن التزوير من الإنسان على إنسان مثله من شر الرذائل، وأبشع الجرائم، فإذا كان التزوير من المخلوق على خالقه، فالجريمة أبشع وأشنع، وهذا هو عمل المرائي، يعمل لوجه الناس، وهو يريهم أنه يريد الله، كذبا وزورا، فلا عجب أن يفضحه الله يوم تبلى السرائر، وأن يسحب على وجهه إلى النار!

عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب} رواه أحمد

وعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من سمع سمّع الله به، ومن يراء يراء الله به” رواه البخاري ومسلم.

“سمع” ـ بتشديد الميم ـ ومعناه: من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الأشهاد.

وعن محمود بن لبيد قال: خرج النبي عليه الصلاة والسلام فقال: “يا أيها الناس، إياكم وشرك السرائر” قالوا: يا رسول الله، وما شرك السرائر؟ قال: “يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدا لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر” رواه ابن خزيمة في صحيحه.

وعن أبي هريرة أن رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل لي عملا أشرك فيه غيري فأنا منه برئ، وهو للذي أشرك” رواه ابن ماجة .

أسباب الرياء

 الأمور التي تدعو إلى الرياء ثلاثة : حب المدح ، وخوف الذم ، والطمع فيما في أيدي الناس.

مظاهر الرياء

تتنوع صور الرياء ومظاهره على حسب الأعمال والعبادات التي يتقرب بها المرء :

 فقد يرائي الإنسان مثلاً بإظهار بعض الأمور التي تدل على مبالغته واجتهاده في العبادة ، فربما راءى بإظهار العطش أو الإجهاد ليستدل بذلك على الصيام.

 وقد يكون الرياء بالنطق واللسان ، فيتعمد إظهار العلم والحفظ وإقامة الحجة عند المجادلة والخصام ليعرف الناس مدى علمه وقوة حجته.

 أو يرفع صوته بالقرآن ليسمع الناس، أو يجهر بذكره لله عز وجل ليعرف الناس أنه ذاكر.

 وقد يرائي بعمله كأن يطول في الصلاة ، ويزيد في الركوع و السجود إلى غير ذلك مما لا يقع تحت حصر، وكما قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ” وأما الشرك فى الإرادات والنيات فذلك البحر الذى لا ساحل له وقل من ينجو منه .

حكم العمل المُراءى به:

العمل لغير الله على أقسام :

 فإما أن يكون الرياء في أصل العبادة كأن يؤدي الإنسان العبادة بحيث يريد بها غير الله ، أو يريد بها الله عز وجل مع غيره من المخلوقين ، فلا شك في أن العمل يبطل حينئذ ، وصاحبه آثم معرض للعقوبة ، وهو الذي جاءت فيه النصوص الصحيحة الصريحة ومنها حديثنا .

وإما أن لا يكون الرياء في أصل العبادة بل في وصفها كمن يريد بصلاته الله عز وجل ، فيدخل فيها وهو يريد أن يقَصِّر القراءة فيها والركوع والسجود ، فيعرض له خاطر بإطالة الركوع والسجود لما يرى من نظر الناس ورؤيتهم له ، فأصل العمل هنا كان لله ثم طرأت عليه نية الرياء بعد ذلك ، فهذا إن كان خاطراً ودفعه فإنه لا يضره ، وأما إن استرسل معه ، فقد اختلفت عبارات السلف هل يحبط به عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته ؟

والذي رجحه الإمام أحمد وغيره أن عمله لا يبطل بذلك ، وأنه يجازى بنيته الأولى ، إلا أنه ثوابه على عمله هذا لا يكون تاماً ، بل ينقص بسبب ريائه ، ولا يبعد أن يكون على خطر عظيم .

ترك العمل خوف الرياء

وقد يعالج البعض الخطأ فيقع في خطأ مثله أو أشد منه ، فإذا أراد أن يقوم بطاعة أو أي عمل من أعمال الخير وعرض له عارض الرياء ، خشي من هذا الخاطر ، فيترك العمل خوف الرياء ، وقد نبه العلماء على هذا المزلق الخطير وحذروا منه فقال الفضيل بن عياض : ” ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما ” .

علاج الرياء

وأخيراً فليس أمر الرياء بالأمر المستعصي عن العلاج ، صحيح أنه يحتاج إلى مشقة ومجاهدة أفصحت عنها عبارات الصالحين من سلف الأمة ، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله : ” أمر النية شديد “، وقال سفيان الثوري : ” ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي ”

ولكنه مع ذلك ليس بالأمر المستحيل ، إذ من المحال أن يكلفنا الله ما لا نطيق ، ولذلك فإن من الأمور التي تعين العبد على علاج الرياء:

1- الاستعانة بالله والتعوذ الدائم به وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم فقال : ( يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل ، فقال له من شاء الله أن يقول : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال : قولوا : اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه ) رواه أحمد .

2- ومنها معرفة حقيقة الرياء وأسبابه وقطعها من قلب العبد .

3- ومنها النظر في عواقب الرياء الدنيوية والأخروية ، والحرص على إخفاء العبادة وإسرارها ، وأن يكون للعبد خبيئة من عمل صالح لا يطلع عليه إلا ربه ومولاه جل وعلا .

عناصر مهمة في تكوين الإخلاص :

1- أن يهتم المخلص بنظر الخالق لا بنظر المخلوقين، فإنهم لم يغنوا عنه من الله شيئا، وقد قال الفضيل بن عياض: العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجل الناس رياء، والإخلاص: أن يعافيك الله منهما.

2-  أن يستوي ظاهر المخلص وباطنه، وعلانيته وسريرته، فلا يكون ظاهره عامرا وباطنه خرابا، ولا تكون علانيته عسلا، وسريرته علقما، وقد قال سرى السقطي: من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله تعالى.

3- أن يستوي عنده مدح الناس وذمهم، وقد قيل: ما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله.

4- ألا ينظر إلى إخلاصه، فيعجب بنفسه، فيهلكه عجبه، ولذا أكد العارفون عدم رؤية الأعمال، حتى قال أبو يعقوب السوسي: متى شهدوا في إخلاصهم الخلاص، احتاج إخلاصهم إلى إخلاص!

5- ألا يعتقد أنه قد وفى ما عليه بل يعتقد العجز والتقصير دائما ، لأن الأعمال وإن عظمت فإنها لا تكافئ أدنى نعمة من نعم الله تعالى على عبده، على أن التوفيق للعمل إنما هو من الله تعالى، فهو صاحب الفضل أولا وآخرا، فلا يقتضي العمل في ذاته ثوابا في نظر المخلص، بل يرى الثواب إحسانا من الله إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لن يدخل أحدكم الجنة عمله”، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: “ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته” متفق عليه عن أبي هريرة.

6- الخوف من تسرب الرياء والهوى إلى النفس، وهو لا يشعر، فإن للشيطان سراديب خفية وملتوية، يدخل بها إلى النفس، وقد يئس من إيقاع المؤمن في المعاصي الظاهرة، فعمله الدائم معه في المعاصي الباطنة، وبها يستطيع أن يضيع عليه عباداته وأعماله التي يرجو بها الله والدار الآخرة.

ولهذا قال سهل: لا يعرف الرياء إلا مخلص، لأنه ـ لخوفه منه ـ يرقبه ويتتبعه، ويعرف أغواره ومداخله، ولا يكذب على نفسه، ويزين لها سوء عمله فتراه حسنا.

ومن أجل هذا صعب الإخلاص، وقل المخلصون، وفيه قال سهل أيضا: أهل “لا إله إلا الله” كثير، ولكن المخلصين منهم قليل!

ما يتوهم أنه رياء وليس هو رياء:

1- أن يعمل العمل لله خالصاً، ثم يلقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين، ففرح بذلك واستبشر، فإن ذلك لا يضره، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذرعن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه سئل عن الرجل يعمل من الخير ، ويحمده الناس عليه؟ فقال: ( تلك عاجل بشرى المؤمن ) رواه مسلم .

2- نشاط العبد بالعبادة عند رؤية العابدين:
قال المقدسي في مختصر منهاج القاصدين: قد يبيت الرجل مع المتهجدين، فيصلون أكثر الليل، وعادته قيام ساعة، فيوافقهم، أو يصومون فيصوم، ولولاهم ما انبعث هذا النشاط، فربما ظن ظان أن هذا رياء، وليس كذلك على الإطلاق، بل فيه تفصيل، وهو أن كل مؤمن يرغب في عبادة الله تعالى ولكن تعوقه العوائق وتستهويه الغفلة فربما كانت مشاهدة الغير سببا لزوال الغفلة، ثم قال: ويختبر أمره بأن يمثل القوم في مكان يراهم ولا يرونه، فإن رأى نفسه تسخو بالتعبد فهو لله، وإن لم تسخ كان سخاؤها عندهم رياء، وقس على هذا.

قلت: كسل المرء عند انفراده آت من باب قوله صلى الله عليه وسلم:” فإنما يأكل الذئب القاصية” ونشاطه داخل من باب امتثاله لقوله صلى الله عليه وسلم:” عليكم بالجماعة” متفق عليه.

3- عدم التحدث بالذنوب وكتمانها:
وهذا واجب شرعا على كل مسلم ولا يجوز المجاهرة بالمعاصي لقوله صلى الله عليه وسلم:” كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله”. متفق عليه.

والتحدث بالذنوب فيه مفاسد كثيرة ليس هذا موضع تفصيلها منها التشجيع على ارتكاب المعاصي بين العباد، والاستخفاف بأوامر الله تعالى، ومن ظن أن كتمان ذلك رياء، وتحدث بالذنوب فهو ممن قد لبس عليه الشيطان، نعوذ بالله منه.

4- اكتساب العبد الشهرة من غير طلبها:
قال المقدسي: المذموم طلب الإنسان الشهرة وأما وجودها من جهة الله تعالى من غير طلب الإنسان فليس بمذموم، غير أن في وجودها فتنة على الضعفاء. محتصر منهاج القاصدين 218.

5- إعلان الفرائض والشعائر:

الأصل في الفرائض: الإظهار والإعلان، أما الأصل في النوافل فهو الإخفاء والكتمان.

فعلى المؤمن أن يجتهد في إخفاء طاعاته، ما استطاع، وهذا في النوافل والتطوع، أما الفرائض والأركان، فهذه يجب إظهارها، تعظيما لشعائر الإسلام، وإبرازا لقوة تمسك المسلمين به، ومنعا للتهمة وإساءة الظن بالمسلم أن يظن به تضييع ما فرض الله عليه، وضربا للمثل حتى يقتدي به غيره، ويتشبه به الآخرون، فإن الخير يغري بالخير، والصلاح يدعو إلى الصلاح.

فالأصل في الأذان العلانية ورفع الصوت لأنه إعلام بدخول وقت الصلاة ، وكذلك إقامة صلاة الجماعة ، وإعلان صيام رمضان، و أداء فريضة الزكاة وإعلانها كشعيرة من شعائر الإسلام ، وكذلك عند أداء فريضة الحج كل هذا الأصل فيه الإعلان ، وهذا مستفيض من حال الصحابة مع رسول الله في إقامة الجماعة وتراءي هلال رمضان وإعلان الصوم وموكب الحجيج الذاهبين لبيت الله الحرام ، وفي أدائهم الزكاة المفروضة قال عبد الله بن أبي أوفى قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : اللهم صل على آل فلان . فأتاه أبي بصدقته ، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى . رواه البخاري ومسلم .

قال الحسن: إظهار الزكاة أحسن، وإخفاء التطوع أفضل، لأنه أدل على أنه يراد الله عز وجل به وحده.

وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها.

وفى صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة “وذلك أن الفرائض لا يدخلها رياء والنوافل عرضة لذلك.

وفى الحديث: ” صدقة السر تطفئ غضب الرب “.

ومع هذا يمكن أن تظهر نوافل الطاعات والصالحات من المسلم من غير قصد لإظهارها مراءاة للناس، كما في قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة:271) وهذا إذا كان الإظهار للقدوة وتعليم الناس ، أو ماكان لمصلحة المسلمين العامة كالنفقة في سبيل الله أو بناء مسجد أو مدرسة أو مستشفى …الخ من باب التنافس على الخير والمسابقة للخيرات كما في غزوة تبوك حينما دعا النبي صلى الله عليه وسلم للإنفاق ووعد المنفقين بالأجر العظيم من الله ،واستجاب الصحابة رضوان الله عليهم ، فأنفق كل حسب مقدرته.

 ولا ننس أن الله أثنى على المنفقين سرا وعلانية فالعبادة بالإنفاق تكون علانية كما تكون سرا قال تعالى (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) البقرة الآية 274. قال علي رضي الله عنه: “تصدقت بدرهم في ليل وآخر في النهار، وبدرهم سرًا، وآخر علانية، عملاً بالآية”.

لكن يكون الإخفاء أفضل إذا كان متعلقا بشخص بعينه لأن ذلك ألطف به ومراعاة لشعوره وفي الإظهار هتك ستر الفقير وهذا هو المفهوم من قوله تعالى (وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة:271) خاصة إن كان من المستورين المتعففين الذين وصفهم القرآن بقوله: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (البقرة: من الآية 273).

وكان علي زين العابدين كثير التصدُّق على فقراء المدينة ، لا سِيَّما التصدُّق في السِّر .وجاء في كتاب ( الحلية ) أنه كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل ، فيتصدَّق به ، ويقول : ( إنَّ صَدَقة السِّرِّ تُطفِئُ غَضَب الرَّبِّ عَزَّ وَجلَّ ) فلما توفي تَبيَّن أنه كان يُعيلُ مِائة عائلة من عوائل المدينة ، وكان أهل المدينة يقولون : ما فقدنا صَدقَةَ السر حتى مات علي بن الحسين .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 352 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم