تفسير سورة الكهف : 11- ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ … ﴾

تاريخ الإضافة 3 مايو, 2025 الزيارات : 19

تفسير سورة الكهف 

11- ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ … ﴾

 

تفسير الآيات [ 83-98 ]

قال تعالى : ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ  وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا* وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا* الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا* أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ  إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا* قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا* أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا* ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا* خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا* قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا* قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ  فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 99-110]

تفسير قوله تعالى: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف: 99]

( يَمُوجُ فِي بَعْضٍ): أي جعلناهم يضطربون ويختلطون.

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ): الصور آلَةٌ تشبه القرن ينفخ فيها، وتسمى البوق أيضًا.

لهذه الآية وجهان في التفسير:

الوجه الأول : بعد أن حكى القرآن الكريم عن ذي القرنين أَن هذا السد رحمة من ربه، ذكر في هذه الآية ما فعله الله تعالى بيأجوج ومأجوج بعد إقامة السد، وظاهر النظم الكريم أن الضمير في قوله تعالى: (بَعْضَهُمْ) عائد إلى يأجوج ومأجوج، والتَّرْكُ هنا بمعنى الجَعْل، وهو من الأضداد.

والمعنى على هذا: وبعد تمام السد جعلنا يأجوج ومأجوج يموجُ بعضهم في بعض، أي يضطربون اضطراب موج البحر لما مُنِعُوا من الخروج والفساد في الأرض بسبب السد، ولا يزالون مائجين مضطربين، حتى ينجز الله وعده الحق، فَيَنْدَكُّ السد ويسوى بالأرض، وحينئذ يخرجون مزدحمين في البلاد ويهلكون الحرث والنسل.

الوجه الثاني : أن الضمير في قوله تعالى: (بَعْضَهُمْ) عائد إلى الخلائق من الإِنس والجن. وعلى هذا الرأي يكون معنى الآية ما يلى:

وجعلنا بعض الخلائق يضطربون اضطراب أمواج البحر، يختلط إنسهم بجنهم من شدة الفزع والهول عند قيام الساعة، روى هذا عن ابن عباس رضى الله عنهما

“وَنُفِخَ فِي الصُّورِ”: الصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام بأمر الله تعالى، كما ثبت في السنة وهو بوق عظيم جدا، جاء في الآثار من وصفه ما يدهش العقول، ولكنا نؤمن به، ونكل حقيقته إلى من أَحاط بكل شيء علمًا.

 وقد صَحَّ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  (كيف أنعَمُ وقدِ الْتَقَمَ صاحبُ القَرْنِ القَرْنَ، وحَنَى جَبهتَه، وأَصغَى سمعَه، ينتظرُ أنْ يُؤمَرَ أنْ يَنْفُخَ فينفخُ؟) [1]

والراجح أنه سينفخ فيه نفختين-: الأولى نفخة الصعق والأخرى نفخة البعث والقيام من القبور، وهما المذكورتان في قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر 68 ]

والمراد هنا النفخة الأُخرى بدليل ما بعدها، والضمير في قوله تعالى: (فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا) للخلائق كلها ومنهم يأجوج ومأْجوج – أي عقب النفخة الأُخرى في الصور، والقيام من القبور، نجمع الخلائق كلها جميعًا عظيمًا هائلا: أولهم وآخرهم، إنسهم وجنهم، مؤمنهم وكافرهم بعدما تفرقت أَوصالهم، وتمزقت أَجسادهم – نجمعهم في صعيد واحد للحساب والجزاء.

تفسير قوله تعالى: ﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا [الكهف: 100]

  “وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ”: أَظهرناها.

هذا إخبار منه تبارك وتعالى، عما يفعله بالكفار يوم يجمع الخلائق للحساب والجزاء.

والمعنى: وأبرزنا جهنم وأظهرناها للكافرين إِظهارًا جليًا حيث يرونها، ويسمعون لها تغيُّظًا وزفيرًا، ويبصرون ما أعد لهم فيها من العذاب والنكال قبل دخولهما، ليكون ذلك أَبلغ في تعجيل الهم والحزن لهم، وليعلموا أَنهم مواقعوها لا يجدون عنها مصرفًا.

تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا١٠١ [الكهف: 101]

(أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ) أَعينهم عليها غشاءٌ يمنعها من البصر.

(عَنْ ذِكْرِي) عن الآيات التي تذكرهم بي.

وهذا بيان منه سبحانه لبعض أوصاف الكافرين الذين استحقوا بسببها هذا العذاب والنكال، أي هؤُلاء الكافرون بي كانت أعينهم – وهم في الدنيا – في غشاوة محيطة بها، فتغافلوا وتعاموا عن النظر في آياتي المُنْبَثَّةِ في الأنفس والآفاق، المؤدية إلى توحيدي وتمجيدي وذكرى وطاعتي ، ويجوز أَن يراد ذكره تعالى الذي أَنزله علي رسله ودعا إليه عباده .

 وقوله تعالى: (وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا) نفى لسمعهم آياته على أتم وجه وأبلغه.

 والمراد أنهم مع تغافلهم وتعاميهم عن التدبر في آياته تعالى، كفاقدي السمع أصالة، فهو تصوير لإعراضهم عن سماع ما يرشدهم إِلى ما ينفعهم ؛ بعد تعاميهم عن آياته المؤَدية إلي ذكره وما ينبغي لجلال وجهه.

 والتعبير عن إِعراضهم عن الذكر بأنهم كانوا لا يستطيعون سمعًا، يؤْذن بأن ذلك كان دأبهم الذي اعتادوه واستمروا عليه ، وقد أَفادت الآية أنهم سدوا على أَنفسهم منافذ العلم من السمع والبصر.

(أَفَحَسِبَ) الاستفهام هنا للإنكار والتوبيخ، والحسبان بمعنى الظن.

(أَوْلِيَاءَ) أي معبودين أو أنصارًا.

(أَعْتَدْنَا) أَي أَعددنا وهيأْنا.

 (نُزُلًا) أي شيئًا يقدم لهم، كالذي يقدم للنزيل أَو الضيف، وقيل النزل: موضع النزول.

لما بين الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة ضلال الكافرين وتغافلهم عن التدبر في آياته الهادية إلى ذكره وطاعته – أنكر عليهم في هذه الآية اتخاذهم بعض عباده آلهة يعبدونهم من دونه، أو أنصارًا ينصروكم ويخلصونهم من عذابه.

والمعنى: أجهل هؤُلاء الذين كفروا بي فظنوا أن اتخاذهم بعض عبادي آلهة أو أنصارًا ينجيهم من عذابي! كلا، إنهم بظنهم هذا لفي ضلال مبين، ولو كان أَولياؤُهم من الملائكة أو العباد المقربين.

 ثم أكد سبحانه هذا الإنكار على الكافرين به فقال:“إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا”: أي إِنا هيأْنا لهؤُلاء جهنم جزاء على عبادتهم لغيرنا واتخاذهم أولياء.

وفي هذا ما فيه من التهكم بهم والتخطئة في حسبانهم ذلك، مع الإيماء إلي أَن لهم من وراء جهنم ألوانًا أخرى من العذاب ، وليست جهنم إلا مقدمة له. وأما إِذا كان النُّزل بمعني المنزل أو المثوى، فالمراد بيان انعكاس مقصودهم من النجاة إلى الهلاك.

تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103-104]

 قيل إن المراد بهؤُلاء الأخسرين: أهل الكتابين: اليهود والنصارى، ولكن ظاهر الآية الكريمة أنها عامة في كل من عبد الله علي غير شريعته التي شرعها لعباده، يحسب أنه مصيب فيها وأن عمله مقبول، ولكنه مخطئ وعمله مردود عليه.

أي قل أيها الرسول للمشركين خاصة، وللكافرين عامة: هل أُخْبركم بأشد الناس خسرانا لأعمالهم وحرمانًا من ثوابها ؟! ثم فسرهم بقوله:

(الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ ) أي ضاع عملهم وبطل عند الله عز وجل.

والمعنى: أن الاخسرين أعمالًا من سائر الملل والنحل هم الذين أتعبوا أنفسهم في أعمال يبغون بها ثوابًا وفضلًا، فنالوا بها هلاكًا وخسرا، كالذي اشترى سلعة يرجو بها ربحًا عظيمًا، فخاب وخسر.

تفسير قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا [الكهف: 105-106]

أي أُولئك الضالون الخاسرون، وهم يحسبون أَنهم يحسنون، هم الذين جحدوا آيات ربهم ودلائله الداعية إِلى توحيده وتمجيده، وضموا إِلى جحودهم آيات ربهم إنكارهم البعث في اليوم الآخر وما يتبعه من الجزاء على الأعمال، فمن ثَمّ حبطت أَعمالهم وبطلت وإذًا: (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا): بل نزدرى بهم ونحتقرهم، ولا نجعل لهم مقدارًا، لأنه لا مقدار لأحد إلا بالعمل الصالح، وأولئك مجردون من صالح الأعمال.

 وقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّهُ ليأتي الرَّجُل الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القيَامَةِ لَا يَزِن عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَة، وَقَال: اقْرَءُوا إنْ شئْتُمْ: (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)

أو المعنى لا نضع لأجل وزن أعمالهم ميزانًا لأنها قد حبطت وصارت هباءً منثورًا.

(ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ) بيان لمآل كفرهم وسائر معاصيهم، إثْرَ بيان أعمالهم المُحْبَطَةِ بذلك الكفر، أي ذلك جزاؤُهم الذي جازيناهم به بسبب كفرهم بي، واتخاذهم رسلي وآياتي التي أيَّدتُهُمْ بها هزؤًا وسخرية! فلم يكتفوا بمجرد الكفر بالآيات والرسل، بل ارتكبوا عظيمة أُخرى مثلها، وهى الاستهزاءُ بالمعجزات الباهرة التي أيدت بها رسلي عليهم السلام وبالصحف المنزلة عليهم.

 تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف: 107-108]

(الْفِرْدَوْسِ) أعلى درجات الجنة وأَوسطها وأفضلها، وأصله في اللغة: البستان الجامع لكل ما في البساتين.

(حِوَلًا) أَي تحولا وانتقالا.

(نزلا) النزل : ما يعده الإنسان لإكرام ضيفه.

والمعنى: بعد أن ذكر الله سبحانه ما أعده من العذاب للذين كفروا بآيات ربهم واستهزأوا برسله – ذكر جزاء الذين آمنوا به وبلقائه وعملوا الصالحات، ووعده لهم بجنات الفردوس أعلى الجنات منزلة وأرفعها درجة.

 أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سَألتُمُ الله تعَالى فاسْألُوهُ الفِردَوسَ: فإنَّهُ وَسَطُ الجَنَّةِ وَأعلَى الجَنَّةِ وَفوْقهُ عَرْشُ الرحمَن، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ).

وفي التعبير بقوله “كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفِردَوْسِ نُزُلًا” إِيماءٌ إِلى أَن أثر الرحمة، يصل إِليهم بمقتضى الرأفة الأزلية، بخلاف ما مر من جَعْل جهنم للكافرين نُزُلًا، فإنه بموجب ما حدث من سوء اختيارهم.

(خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) أي مقيمين ساكنين فيها لا يظعنون عنها أبدًا.

وفيه تنبيه علي رغبتهم فيها وحبِّهم لها، مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائمًا أنه قد يسأمه أو يمَلُّهُ فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود الأبدي، لا يختارون عن مقامهم ذلك تحولا ولا ظعنًا ولا رحلة ولا بدلا. أهـ.

تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف: 109]

 (مَدَادًا) المداد في الأصل: اسم لكل ما يُمَدُّ به الشيءُ، واختص في العرف بما تُمَد به الدواة من الحبر.

(لِكَلِمَاتِ رَبِّي) أي لكلماته الإبداعية والتشريعية والخبرية، في اللوح المحفوظ وفي القرآن الكريم، وفي شئون الكون حاضره ومستقبله ودنياه وأخراه.

ومعنى الآية: قل لهم أيها الرسول: لو كان ماءُ البحر مدادًا للقلم الذي تكتب به كلمات ربي في التشريع والتكوين وغيرهما، لنَفِدَ هذا المداد وفَنِىَ قبل أن تنفد كلمات ربي وتفنى، ولو جئنا بمثل هذا الماء العظيم مددًا وعونًا، لأن جميع ما في الوجود علي التعاقب والاجتماع – مُتَنَاهٍ، وعلم الله وكلماته لا تتناهى، والمتناهي لا يفي البتة بغير المتناهي.

والمراد أن كلمات الله تعالى لا يعتريها فناءٌ ولا نقص، وعلمه لا غاية له ولا نهاية، فما علم العباد جميعًا بجانب علمه تبارك وتعالى إلاَّ كقطرة من ماء البحور كلها.

وفي معنى الآية الكريمة قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة لقمان، الآية: 27

 ثم ختم سبحانه السورة الكريمة بنحو ما بدأها به من البشارة والنذارة فقال:

 تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110]

 أي قل أيها الرسول للمشركين وللناس جميعًا: إنما أنا بشر مثلكم من بني آدم، لا أدعى الإحاطة بكلماته جل وعلا، ولا أعلم إلَّا ما علمني ربي، وقد أوحى إلى أنما إلهكم الذي يجب أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا هو إله واحد لا شريك له ؛ أي فمن كان يأمل تكريم ربه إياه بالثواب وحسن الجزاء عند لقائه، فليعمل عملًا صالحًا موافقًا لشريعة الله، ولا يُرِدْ بعبادة ربه إِلَّا وجه ربه وحده لا شريك له، وهذان هما الركنان اللذان لا بد منهما لكل عمل متقبل، أَن يكون خالصًا لله سبحانه، وأن يكون صوابًا وفق شريعة رسوله صلى الله عليه وسلم .

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالي: (أَنَا أغْنَى الشُّرَكَاء عَنِ الشِّرْك. مَنْ عَملَ عَمَلًا أشْرَك فيه معي غَيْرِى. تَرَكْتُهُ وَشركَه)

وروى الشيخان عن جندب بن عبد الله رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ سَمَّعَ، سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يرائي يرائي اللهُ به” أي من سمع الناس بعمله، أو راءاهم به ليحمدوه ويثنوا عليه، أظهر الله سريرته لهم وملأ أسماعهم من سوء الحديث عنه في الدنيا والآخرة، فلم يظفر بما أظهره إلا بإبداء ما انطوى عليه من خبث السريرة.

والله المستعان على الإِخلاص في النيات والأقوال والأعمال

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أهم ما يستفاد من الآيات:

  1.  الصور هو بوق ينفخ فيه إسرافيل وهو مستعد للنفخ منتظر لأمر الله.
  2. النفخ في الصور إشارة إلى نهاية الكون ثم بداية البعث والنشور.
  3. جمع الخلائق يوم القيامة يتم في صعيد واحد للحساب دون استثناء.
  4. الكفار يُعرض عليهم مشهد جهنم رؤية حقيقية ترعبهم قبل دخولها .
  5. الكفار كانوا في الدنيا معرضين عن آيات الله غير مبالين بها .
  6. الأخسرون أعمالًا هم من ضل سعيهم في الدنيا ظانين أنهم محسنون .
  7. يحبط الله أعمال الكفار فلا تقبل لهم حسنة واحدة.
  8. لا يُقيم الله لهم يوم القيامة وزنًا لأعمال الكافرين لبطلانها ، وعدم قبولها.
  9. الذين آمنوا وعملوا الصالحات ينالون جنات الفردوس وهي أعلاها وأفضلها.
  10. لا يملّ المؤمنون من الجنة ولا يتمنون عنها تحويلًا .
  11. كلمات الله لا تنفد مهما وُجد من مداد وأقلام .
  12. الله عز وجل أعظم وأعلم من أن يحيط به خلقه .
  13. النبي محمد صلى الله عليه وسلم بشر يوحى إليه ويقتدى به .
  14. من كان يرجو لقاء الله فعليه بالعمل الصالح الخالص لله وحده.
  15. الإخلاص شرط لقبول العمل بلا رياء ولا سمعة .
  16. العمل الصالح المقبول هو ما كان لله ووافق سنة النبي .
  17. الرياء يبطل ثواب الأعمال عند الله.

تم تفسير سورة الكهف والحمد لله.


[1] رواه الترمذي في “سننه” (رقم 3243) وأحمد في “مسنده” (رقم 11039)، وصححه الشيخ الألباني في “صحيح الترمذي“.​


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14070 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين