فقه الصلاة 20- إعلام الساجد بآداب المساجد

تاريخ الإضافة 4 يونيو, 2023 الزيارات : 4550

فقه الصلاة 20- إعلام الساجد بآداب المساجد

مما اختص الله به هذه الأمة أن جعل لها الأرض طهورا ومسجدا فأيما رجل من المسلمين أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته .

تعريف المسجد :

المسجد لغة: الموضع الذي يسجد فيه، ثم اتّسع المعنى إلى البيت المُتّخذ لاجتماع المسلمين لأداء الصلاة فيه، لأن السجود أشرف أفعال الصلاة، لقرب العبد من ربه، فاشتق اسم المكان منه فقيل: مسجد، ولم يقال : مركع.

والمسجد في الاصطلاح الشرعي: المكان الذي أُعِدّ للصلاة فيه على الدّوام

أما الجامع: فهو نعت للمسجد، سمّي بذلك؛ لأنه يجمع أهله؛ ولأنه علامة للاجتماع، فيقال: المسجد الجامع.

أهمية المسجد في الإسلام

إن مكانة المسجد في الإسلام لتظهر بجلاء في كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستقر به المقام عندما وصل إلى حي بني عمرو بن عوف في قباء، حتى أمر ببناء مسجد قباء، وهو أول مسجد بني في المدينة، وأول مسجد بني لعموم الناس.

وعندما واصل صلى الله عليه وسلم سيره إلى قلب المدينة كان أول ما قام به تخصيص أرض لبناء مسجده صلى الله عليه وسلم .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً في سفر أو حرب وبقي فيه مدة اتخذ فيه مسجداً يصلي فيه بأصحابه رضي الله عنهم، كما فعل في خيبر.

والمساجد أحب البقاع إلى الله عز وجل كما في حديث النبيصلى الله عليه وسلم– “أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها“. رواه مسلم عن أبي هريرة ، قال الإمام النووي – رحمه الله -: (أحبّ البلاد إلى الله مساجدها)؛ لأنها بيوت الطاعات، وأساسها على التقوى، (وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)؛ لأنها محل الغش، والخداع، والربا، والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه).

والمسلم في أي مكان يحل فيه أول ما يبحث عنه يبحث عن المسجد لأن قلبه معلق به لا يجد راحته ولا يشعر بالسكينة إلا فيه فعن أبي الدرداء –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: “المسجد بيت كل تقي، وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة، والجواز على الصراط إلى رضوان الله، إلى الجنةرواه الطبراني والبزار وصحَّحه الألباني.

أول مسجد في تاريخ البشرية :

قال أبو ذر : قلت : يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا ؟ قال : ( المسجد الحرام ) . قلت : ثم أي ؟ قال : ( ثم المسجد الأقصى ) قلت : كم بينهما ؟ قال : ( أربعون سنة ) ثم قال : ( أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد ) وفي رواية : ( فكلها مسجد ) رواه الجماعة .

أفضل المساجد:

المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى؛ لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)

وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه). وجاء: (والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة)وهذه الزيادة اختلف العلماء في تصحيحها وتضعيفها

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى)متفق عليه

ومسجد قباء أفضل المساجد بعد المساجد الثلاثة؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبتٍ ماشياً وراكباً فيصلي فيه ركعتين) متفق عليه

وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تطهّر في بيته، ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة) صححه الألباني في صحيح النسائي

فضل بنائها :

عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال : سمعت النبي-صلى الله علي وسلميقول: (من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله – تعالى – بنى الله له مثله في الجنة ) البخاري

يعني : بيتًا مثله في الجنة، فالمثلية الواردة في الحديث جاءت لإيضاح أن الجزاء من جنس العمل، فهي تعني المثلية في الكم لا في الكيف ؛ لأن موضع شبر في الجنة خير من الدنيا وما فيها، كما ورد بذلك الخبر عن الصادق المصدوق.

وهذا شامل لكل مسجد صغيرًا كان أو كبيرًا، أو كان بعض مسجد، فالحديث هنا جاء من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، فالمسهم مع غيره في بناء مسجد والمجدد له ومن أدخل توسعةً عليه يكون داخلاً في مضمون الحديث السابق، ويؤيد هذا المعنى ما ورد من أحاديث صحيحة؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (من بنى لله مسجدًا قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة(

وهذا بالطبع لا يحصل إلا بمشاركة جماعة في بناء مسجد تكون حصة الواحد منهم قدرًا معينًا.
وقوله: (ولو كمفحص قطاة) مفحص القطاة موضع بروكها على بيضها، وهو مشتق من الفحص أي البحث، فالدجاجة والقطاة تفحص في الأرض برجليها لتتخذ لنفسها مفحصاً تبرك فيه أو تبيض فيه ، والقطاة : نوع من الحمام الصحراوي ، ومعلوم أن ذلك المكان صغير جدًا، ومفحص القطاة لا يمكن بحال أن يتسع لمصلي، فدل على أن أيّ تبرع يُسهم في بناء مسجد موعودٌ صاحبه ببيت في الجنة، والمقصود ألا يحتقر أحد مساهمته في بيت الله ولو كان السهم الذي دفعة للمسجد يبلغ أن يكون مقداره بالنسبة للمسجد بهذا المقدار الصغير لموضع بيض القطاة ، حتى لا يحتقر أحد ما أنفقه من المال لبناء مسجد ، وقد يدخل في ذلك من ساهم في بنائه ، أو عمل فيه بيده، أو دفع أجرة العاملين، ونحو ذلك من العمل الذي ينسب إلى صاحبه أنه ساعد في بناء المسجد بنفسه أو ماله، احتسابا وطلبا للأجر المرتب على ذلك، وهو أن يبني الله له مثله، أو أوسع منه في الجنة، حيث إن البيت في الجنة لا يقاس بما في الدنيا، ولا نسبة بينهما، وذلك مما يدفع من وسع الله عليه إلى المسارعة في الخيرات، واغتنام الفرصة في هذه الحياة، فيقدم لآخرته ما يجد ثوابه مضاعفا عند ربه أضعافا كثيرة.

حكم تخصيص مسجد تحته بناء أوفوقه :

لا حرج في كون المسجد تحت بناء ، أو فوقه بناء ، إذا أنشئ على هذه الصفة ابتداء .

جاء في “الموسوعة الفقهية” (12/295) : ” أجاز الشافعية والمالكية والحنابلة جعل علو الدار مسجدا دون سفلها ، والعكس ؛ لأنهما عينان يجوز وقفهما ، فجاز وقف أحدهما دون الآخر” انتهى .

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : “لا مانع من كون المسجد تحت السكن إذا كان المسجد والسكن بنيا من الأصل على هذا الوضع ، أو أحدث المسجد تحت السكن ، أما إذا كانت إقامة السكن فوق المسجد طارئة فإن هذا لا يجوز ؛ لأن سقفه وما علاه تابع له” انتهى .”فتاوى اللجنة الدائمة” (5/220) المجموعة الثانية .

   تسمية المسجد:

 قال علماء اللجنة الدائمة ما مختصره :

 المساجد تسمى على أحد الوجوه الآتية:

1- إضافة المسجد إلى من بناه ، وهذا مِن إضافة أعمال البر إلى أربابها ، وهي إضافة حقيقية للتمييز ، وهذه تسميته جائزة ، ومنها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال ابن العربي في “أحكام القرآن” (4/277) : ” المساجد وإن كانت لله ملكا وتشريفا ، فإنها قد نسبت إلى غيره تعريفا , فيقال : مسجد فلان ” انتهى .

2- إضافة المسجد إلى من يصلِّي فيه ؛ يعني : القبيلة ، أو الجماعة ، أو الحي الذي يعتاد الصلاة فيه ، أو إلى المحلة ، وهي إضافة حقيقية للتمييز ، فهي جائزة ، ومنها : مسجد قباء ، ومسجد بني زريق كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في حديث المسابقة إلى مسجد بني زريق ومسجد السوق ، كما ترجم البخاري رحمه الله بقوله : ( باب العلماء في مسجد السوق ) .

3- إضافة المسجد إلى وصف تميز به ، مثل : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، كما في قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى )، وفي السنة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة : ( لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا ) ، ومنه : ( المسجد الكبير ) وقد وقع تسمية بعض المساجد التي على الطريق بين مكة والمدينة باسم ( المسجد الأكبر ) كما في ( صحيح البخاري ) ومثله يقال : ( الجامع الكبير ).

4- تسمية المسجد بإضافته إلى أحد وجوه الأمة وخيارها من الصحابة والتابعين والعلماء والفقهاء ، مثل : مسجد أبي بكر رضي الله عنه ، مسجد عمر رضي الله عنه ، وهكذا للتعريض ، فهذه التسمية لا بأس بها.

5- تسمية المسجد باسم من أسماء الله سبحانه وتعالى ، مثل : مسجد الرحمن ، مسجد القدوس ، مسجد السلام ، ومعلوم أن الله سبحانه قال وقوله الفصل : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )، فالمساجد جميعها لله تعالى بدون تخصيص ، فتسمية مسجد باسم من أسماء الله ليكتسب العلمية على المسجد أمر محدث ، لم يكن عليه من مضى ، فالأولى تركه ، والله الهادي إلى سواء السبيل ” انتهى النقل عن فتاوى اللجنة الدائمة.

هل غرفة الإمام من المسجد ؟

إذا كانت الغرفة المتصلة بالمسجد قد أعدت لتكون مسجدا ، أي نواها باني المسجد أن تكون جزءا من المسجد الذي يُصلى فيه ، فلها أحكام المسجد ، فيتأكد صلاة تحية المسجد عند دخولها ، وتمنع الحائض والنفساء من المكث فيها .

وأما إن كانت قد نويت لتكون ملاحق للتعليم أو لعقد الاجتماعات ، أو سكنا للإمام أو المؤذن ، لا لتكون محلا للصلاة ، فلا تأخذ حكم المسجد حينئذ .

وإذا جهلت نية باني المسجد ، فالأصل أن ما كان داخل سور المسجد ، وله باب على المسجد ، فله حكم المسجد .

ما حكم بناء المحراب في قبلة المسجد ؟.

المحراب الذي يصلي فيه الإمام في المسجد لم يكن موجودا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولا في القرن الأول ، وإنما ظهر في القرن الثاني وتتابع المسلمون على بنائه في مساجدهم لما فيه من المصلحة ، كدلالة الداخل إلى المسجد على جهة القبلة .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة : المحراب في المسجد ، هل كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

فأجابوا : ” لم يزل المسلمون يعملون المحاريب في المساجد في القرون المفضلة وما بعدها ؛ لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين ، ومن ذلك بيان القبلة ، وإيضاح أن المكان مسجد ” انتهى . ” فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ” ( 6 / 252 ، 253 ) .

 

وذهب بعض العلماء إلى أن اتخاذ هذه المحاريب بدعة ، ويُنهى عنها ، واستدلوا بما رواه الطبراني والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اتقوا هذه المذابح ) . يعني : المحاريب . صححه الألباني في صحيح الجامع.

 

ولكن يجاب عن هذا الاستدلال بأن المحاريب في هذا الحديث ليست هي المحاريب التي في المساجد ، وإنما المراد بذلك صدور المجالس ، فهذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن التصدر في المجلس ، لما يُخشى منه من حصول الرياء أو شيء من العجب في صاحبه .

 

قال الهيثمي في “مجمع الزوائد” : قلت : المحاريب صدور المجالس . انتهى .

 

وقال ابن الأثير في “النهاية” : المحْرابُ : المَوْضع العَالي المُشْرِفُ ، وهُو صَدْر المَجْلس أيضاً ، ومنه سُمّي محْراب المسْجد ، وهو صَدْرُه وأشْرَف مَوْضِع فيه . انتهى .

 

حكم المصليات التي تتخذ في البيوت أو الشركات:

المصليات التي تتخذ في البيوت أو في بعض المؤسسات والشركات ويقصد بها صلاة أهل المكان فقط ، ولا يقصد بها أنها مسجد عام مفتوح لجميع المسلمين ، لا تأخذ حكم المسجد .

وقد كان عمل الناس قديماً أن الرجل يتخذ موضعاً في داره للصلاة يسمى “مصلى البيت” أو “مسجد البيت” ولم يكن لهذا المسجد أحكام المساجد المعروفة .

عن عتبان بن مالك رضي الله عنه أنه لما عمي وشق عليه الذهاب إلى المسجد في أيام المطر والسيول طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي إلى داره ليصلي في موضع يتخذه عتبان مصلى ، فلبى النبي صلى الله عليه وسلم طلبه . رواه البخاري ومسلم

 

قال الحافظ ابن حجر : “من فوائد الحديث : أن اتخاذ مكان في البيت للصلاة لا يستلزم وقفيته ولو أطلق عليه اسم المسجد” انتهى .

 

وذكر ابن قدامة في “المغني” (4/464) أن مسجد البيت ” لا تثبت له أحكام المسجد الحقيقية” انتهى .

 

وجاء في “الموسوعة الفقهية” (2/121) :

“مسجد البيت ليس بمسجد حقيقةً ولا حكماً ، فيجوز تبديله ، ونوم الجنب فيه” انتهى .

 

حكم بناء القبة والمأذنة على المسجد ؟

لا حرج في بناء القبة على المسجد لغرض الإضاءة والتهوية ، وكذلك بناء المئذنة لأجل بلُوغ صوتِ المؤذن إلى أقصى حدٍ مُمكن ، أو لِيُعرف المسجد منْ بُعد فُيقصد من قِبَلِ المصلِّين ؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد ، لكن ينبغي الاقتصار على ما يحقق الغرض ، من غير إسراف ، فيكفي في المئذنة بناء مستقيم مرتفع ، بلا زخارف أو زينة ، وإن بني المسجد بدونها فلا حرج .

 

النهي عن زخرفة المساجد :

عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد ) رواه أحمد ، ولفظ ابن خزيمة : ( يأتي على الناس زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها إلا قليلا ) .

وروى ابن خزيمة أن عمر أمر ببناء المساجد فقال : أكن الناس من المطر ، وإياك أن تحمر أو تصرف فتفتن الناس. رواه البخاري معلقا . أكن الناس من المطر : أي استرهم .

فتفتن الناس : أي تلهيهم

 

حكم النقوش وكتابة الآيات والأدعية على حيطان وسقف المسجد :

روى البخاري عن ابْن عَبَّاسٍ قولَه : ” لَتُزَخْرِفُنَّهَا ، كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ ، وَالنَّصَارَى ” .

ومعناه : أن اليهود والنصارى إنما زخرفوا المساجد عندما حرفوا وبدلوا أمر دينهم ، وأنتم تصيرون إلى مثل حالهم.

 

وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِى الْمَسَاجِدِ ) صححه الألباني في ” صحيح أبي داود.

وروى البخاري عن أَنَس بنِ مالِك : ” يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ، ثُمَّ لاَ يَعْمُرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلاً ” .وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 11 / 275 ) :

يحرُم تزيين المساجد بنقشها ، وتزويقها بمال الوقف ، عند الحنفية ، والحنابلة ، وصرَّح الحنابلة بوجوب ضمان الوقف الذي صرف فيه ؛ لأنه لا مصلحة فيه ، وظاهر كلام الشافعية : منع صرف مال الوقف في ذلك ، ولو وقف الواقف ذلك عليهما – النقش ، والتزويق – : لم يصح في القول الأصح عندهم ، أما إذا كان النقش والتزويق من مال الناقش : فيُكره – اتفاقاً – في الجملة إذا كان يُلهي المصلي ، كما إذا كان في المحراب ، وجدار القبلة .

فعمارة المساجد وبناؤها ، وتعظيمها وصيانتها ، من العبادات العظيمة ، والقربات الجليلة عند الله؛ لكن ليس من عمارتها المطلوبة كتابة الآيات ، والأحاديث ، والأدعية على الجدران ، لأن المقصود بالكتابة هو الزينة المتباهى بها ، والتي تشغل المصلين في صلاتهم ، والتي تجعل المساجد متاحف ، وأماكن للسياحة ، كما يحدث – للأسف – في كثير من البلدان ، وليس هذا الأمر مما يفتخر به المسلمون ، وإنما فعله من ركن إلى الدنيا ، وأراد منافسة الكفار في بنائهم ، أو مباهاة غيره من الحكام ،

وإنما عمارة المساجد : إقامة الصلاة فيها ، والاعتكاف ، والتعليم ، وذِكر الله ، وليس هو تشييدها بأنواع الحجارة ، ولا طليها بمختلف الألوان ، ولا تزويقها بأشكال من الخطوط تُرسَم فيها الآيات ، وتُكتب فيها الأحاديث والأدعية .

وإذا كان المراد به الفائدة للناس لحفظها والتذكير بألفاظها : فيجوز إذا التزمت الشروط التالية :

1. عدم جعل الأحاديث والأدعية مكتوبة على الجدران رسماً ؛ لأنها لا تزال ، فلا يستفاد من مكانها إن حفظها المصلون ، بل تكتب على ورق حائط ، يسهل تعليقه ونزعه ، وخاصة فيما يحتاجه المسلمون من معرفة ما يُكتب في مناسباتهم الموسمية .

 

2. أن لا تكون في قبلة المصلين ؛ حتى لا تشغلهم في صلاتهم .

 

3. أن لا تستعمل الزينة في الكتابة بما تفقد الحديث والدعاء هيبته .

 

4. تجنب كتابتها بشكل غير مقروء ، أو جعلها على شكل طائر ، أو رجل ساجد ، وما يشبهه .

 

5. أن تغيَّر باستمرار ، بحسب حاجة الناس ، لإزالة جهل ، أو تذكير بفضل ، أو تثبيت حفظ .

 

تنظيفها وتطييبها :

1 – روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان بسند جيد

عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور ، وأمر بها أن تنظف وتطيب . ولفظ أبي داود : ( كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في دورنا ونصلح صنعتها ونطهرها ، وكان عبد الله يجمر المسجد إذا قعد عمر على المنبر ) .

2 – وعن أنس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل إلى المسجد ) رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة .

 

هل يباع المسجد أو يهدم عند رحيل أهل المنطقة ؟

الوقف إذا تعطلت منافعه ولم يمكن الانتفاع به جاز بيعه على الصحيح من كلام أهل العلم ، سواء كان مسجدا أو غيره ، فإذا انتقل أهل المسجد إلى محل آخر ، ولم يبق من ينتفع به ، جاز بيعه ، ويوضع ثمنه في بناء مسجد آخر .

قال ابن قدامة رحمه الله : ” الوقف إذا خُرِّب ، وتعطلت منافعه ، كدار انهدمت ، ولم تمكن عمارتها ، أو مسجد انتقل أهل القرية عنه ، وصار في موضع لا يصلى فيه ، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه ، أو تشعب جميعه ( أي : تصدعت جدرانه ) ، فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه ، جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته .

وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه ، بيع جميعه .

قال الإمام أحمد : إذا كان في المسجد خشبتان ، لهما قيمة ، جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه ، وقال أيضاً : يحول المسجد خوفا من اللصوص ، وإذا كان موضعه قذرا . قال القاضي : يعني إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه ” انتهى من “المغني” (5/368) بتصرف .

 

وقال ابن باز رحمه الله : ” وإذا تعطلت منفعة الوقف سواء كان مسجدا أو غيره جاز بيعه في أصح قوال العلماء، وتصرف قيمته في وقف آخر بدل منه مماثل للوقف الأول، حيث أمكن ذلك، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بنقل مسجد الكوفة إلى مكان آخر؛ لمصلحة اقتضت ذلك. فتعطل المنفعة أولى بجواز النقل، والمسألة فيها خلاف بين العلماء؛ ولكن القول المعتمد جواز ذلك؛ لأن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأمرت بحفظ الأموال، ونهت عن إضاعتها، ولا ريب أن الوقف إذا تعطل لا مصلحة في بقائه، بل بقاؤه من إضاعة المال، فوجب أن يباع ويصرف ثمنه في مثله ” انتهى من “فتاوى الشيخ ابن باز” (20/11).

فضل المشي إلى المساجد:

المشي إلى المساجد، لأداء الصلاة جماعة من أعظم الطاعات، وقد ثبت في ذلك فضائل عظيمة كثيرة، منها:

1- شديد الحب للمساجد في ظل الله يوم القيامة؛ لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سبعة يظلّهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلَّ إلا ظلّه: فذكر(… ورجل قلبه مُعلّق في المساجد…..)

ومعناه شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد

2- المشي إلى المساجد تُرفع به الدرجات، وتُحطّ الخطايا، وتُكتب الحسنات؛لحديث أبي هريرة يرفعه وفيه:(… وذلك أن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخطُ خطوة إلا رُفِعَ له بها درجة، وحُطّ عنه بها خطيئة…) متفق عليه

فكلّ خطوة واحدة: يُرفع بها درجة، وتُحطّ عنه بها خطيئة، وتُكتب له حسنة.

3- يكتب له المشي إلى بيته كما كتب له المشي إلى الصلاة في المسجد، إذا احتسب ذلك، لحديث أبي بن كعب قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء، وفي الرمضاء؟ قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد جمع الله لك ذلك كله). وفي لفظ: (إن لك ما احتسبت) رواه مسلم

وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام) متفق عليه

وعن جابرقال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: (إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد) قالوا: نعم، يا رسول الله، قد أردنا، فقال: (يا بني سلمة، ديارَكم تُكتب آثاركم، ديارَكم تُكتب آثاركم) متفق عليه

4- المشي إلى المسجد تُمحى به الخطايا، لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات)؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) رواه مسلم

محو الخطايا: كناية عن غفرانها، ويحتمل محوها من كتاب الحفظة، ويكون دليلاً على غفرانها، ورفع الدرجات: أعلى المنازل في الجنة، وإسباغ الوضوء: تمامه، والمكاره: تكون بشدة البرد، وألم الجسم، ونحو ذلك، وكثرة الخطا: تكون ببعد الدار وكثرة التكرار.

5- المشي إلى المساجد بعد إسباغ الوضوء تُغفر به الذنوب، لحديث عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد غفر الله له ذنوبه) رواه مسلم

6- إعداد الله تعالى الضيافة في الجنة لمن غدا إلى المسجد أو راح كلما غدا أو راح؛ لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غدا إلى المسجد أو رواح أعدّ الله له في الجنة نُزُلاً كلما غدا أو راح) متفق عليه

وأصل (غدا) خرج بِغَدْوٍ، أي: أتى مبكراً، وراح: رجع بعشيٍّ، ثم قد يُستعملان في الخروج والرجوع مطلقاً توسعاً،و(أعدّ) هيّأ،و(النُّزُل) ما يُهيأ للضيف من الكرامة عند قدومه،ويكون ذلك بكل غدوة أو روحة، وهذا فضل الله تعالى يؤتيه من قام بهذا الغُدوّ والرَّوَاح، تُعدّ له في الجنة ضيافة بذهابه، وضيافة برجوعه.

7- من ذهب إلى صلاة الجماعة في المسجد فسُبق بها وهو من أهلها فله مثل أجر من حضرها، لحديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً)رواه أبو داوود وصححه الألباني

8- من تطهّر وخرج إلى صلاة الجماعة في المسجد فهو في صلاة حتى يرجع إلى بيته، لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع، فلا يقل: هكذا وشبك بين أصابعه ) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب

9ـ أجر من خرج إلى صلاة الجماعة في المسجد متطهراً كأجر الحاج المحرم؛ لحديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاجّ المحرم) رواه أبو داوود وصححه الألباني

10- وعَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) صححه الألباني في صحيح أبي داود .

الظُّلَم : جمع ظلمة ، وهي تعم ظلمة العشاء والفجر .

وفي الحديث : فضل المشي إلى الصلاة سواء كان المشي طويلاً أو قصيراً ، وفضل المشي إليها للجماعات في ظلم الليل ، وهذا الفضل ثابت ـ إن شاء الله ـ لمن صلى العشاء والفجر مع الجماعة , ولو كانت الطرق مضاءة ؛ لأن هاتين الصلاتين في ظلمة الليل .

 

وعن عمرو بن ميمون – رحمه الله – قال: أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: (المساجد بيوت الله وإنه حقّ على الله أن يُكرم من زاره

الدعاء عند التوجه إلى المسجد :

يسن الدعاء حين التوجه إلى المسجد بما ورد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وهو يقول : ( اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، وعن يميني نورا ، وخلفي نورا وفي عصبي نورا ، وفي لحمي نورا ، وفي دمي نورا ، وفي شعري نورا ، وفي بشري نورا ) رواه البخاري ومسلم

الدخول للمسجد باليمنى والخروج باليسرى :

يسن لمن أراد دخول المسجد أن يدخل برجله اليمنى فعن أنس – رضي الله عنه – أنه قال: (من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى) أخرجه الحاكم (1/218)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

وقول الصحابي: “من السنة كذا” محمول على الرفع

قال البخاري – رحمه الله – في صحيحه: (باب التيمن في دخول المسجد وغيره) وكان ابن عمر يبدأ برجله اليمنى، فإذا خرج بدأ برجله اليسرى، ثم ذكر حديث عائشة – رضي الله عنها – بلفظ: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله)رواه البخاري ومسلم  

الدعاء عند دخول المسجد وعند الخروج منه :

عن أبي حميد أو أبي أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك” رواه مسلم

. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا دخل المسجد قال: “أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم”، فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم“رواه أبو داوود

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيمأخرجه ابن خزيمة وأخرجه ابن ماجه وفيه: (اللهم اعصمني) بدل (أجرني)، وهذا الحديث إسناده حسن لشواهده.

وسر تخصيص طلب الرحمة بالدخول وسؤال الفضل بالخروج أن من دخل المسجد اشتغل بما يقربه إلى الله تعالى وإلى رضوانه وجنته من الصلاة والذكر والدعاء، فناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل، قال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) الجمعة 10

كراهة نشد الضالة والبيع والشراء :

نشد الضالة : طلب الشئ الضائع .

لا يجوز إنشاد الضالة في المساجد ، أو تعريفها، فيه ؛ لأن المساجد لم تبن لذلك ، إنما بنيت لإقامة ذكر الله ، وقد روى مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ : لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ ؛ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا ) .

وروى مسلم أيضا عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ : مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا وَجَدْتَ ؛ إِنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ ) .

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا وَجَدْت ) وَأَمَرَ أَنْ يُقَال مِثْل هَذَا عُقُوبَة لَهُ عَلَى مُخَالَفَته وَعِصْيَانه وَيَنْبَغِي لِسَامِعِهِ أَنْ يَقُول : لَا وَجَدْت فَإِنَّ الْمَسَاجِد لَمْ تُبْنَ لِهَذَا .

       ولو كتب ورقة وعلقها على الجدار الخارجي للمسجد فلا بأس بذلك .

السؤال فيها :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : أصل السؤال محرم في المسجد وغيره إلا لضرورة فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدا كتخطية الرقاب ولم يكذب فيما يرويه ولم يجهر جهرا يضر الناس كأن يسأل والخطيب يخطب أو وهم يسمعون علما يشغلهم به ، جاز .

 

رفع الصوت فيها :

يحرم رفع الصوت على وجه يشوش على المصلين ولو بقراءة القرآن . ويستثنى من ذلك درس العلم .

فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال : ( إن المصلي يناجي ربه عز وجل فلينظر بم يناجيه ؟ ولا يجهر بعضكم على بعض القرآن ) رواه أحمد بسند صحيح

وروى عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال : ( ألا أن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ) ، رواه أبو داود

 

حكم الكلام في المسجد :

       يجوز الكلام المباح في المسجد ، ولو كان ذلك من أمر الدنيا ، وغيرها         من المباحات ، وإن حصل فيه ضحك ونحوه ، ما دام مباحا ؛ ما لم يترتب عليه تشويش على المصلين لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ . رواه مسلم

وأما حديث : ( الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ) ، فليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم . كما قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة.

 

إباحة الأكل والشرب والنوم فيها :

فعن ابن عمر قال : كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ننام في المسجد نقيل فيه ونحن شباب .

نقيل فيه : أي ننام وقت القيلولة .

 

وقال النووي : ثبت أن أصحاب الصفة والعرنبين وعليا وصفوان بن أمية وجماعات من الصحابة كانوا ينامون في المسجد . وأن ثمامة كان يبيت فيه قبل إسلامه . كل ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الشافعي في الأم : وإذا بات المشرك في المسجد فكذا المسلم . 

تشبيك الأصابع :

يكره تشبيك الأصابع عند الخروج إلى الصلاة وفي المسجد عند انتظارها ولا يكره فيما عدا ذلك ولو كان في المسجد . فعن كعب قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة ) رواه أحمد

 

وعن أبي سعيد الخدري قال : دخلت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل جالس وسط المسجد محتبيا مشبكا أصابعه بعضها على بعض فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن لإشارته . فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان ، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه ) رواه أحمد .

 

حكم إحضار الصبي إلى المسجد:

لا حرج في إحضار الصبي إلى المسجد ، بل ينبغي تعويده ذلك وتشجيعه عليه ، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل في صلاته يريد أن يطيل فيها ، فيسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته مخافة أن تفتتن الأم ، وهذا يدل على أن الصبيان موجودون في المساجد ؛ لكن هذا جائز ما لم يكن في حضوره تشويش على المصلين وأذى لهم بحركته ولعبه ، فلا ينبغي إحضاره حينئذ ؛ لأن المساجد لم تبن للعب واللهو ، وإنما بنيت للصلاة والخشوع والذكر والطمأنينة ، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من جهر بعض المصلين على بعض بالقراءة ، فكيف باللعب والجري والانتقال من مكان إلى مكان ، مما يشوش على المصلين ويفقدهم الخشوع والاطمئنان ، ثم إذا كان صغيراً عليه الحفاض فلن يستفيد من الحضور ، وغالبا الأطفال الذين دون الرابعة لا يحسنون الصلاة لأنه لا تمييز لهم ، والسن الغالب للتمييز هو سبع سنين وهو السن الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر أولادنا بالصلاة إذا بلغوه ، فقال عليه الصلاة والسلام : (مروا أولادكم أو أبناءكم بالصلاة لسبع) وإذا كانوا هؤلاء الأطفال الذين في الرابعة لا يحسنون الصلاة فلا ينبغي له أن يأتي بهم في المسجد اللهم إلا عند الضرورة ، كما لو لم يكن في البيت أحد يحمي هذا الصبي فأتى به معه بشرط ألا يؤذي المصلين ، فإن آذى المصلين فإنه لا يأتي به ، وإذا احتاج الطفل أن يبقى معه في البيت فليبق معه ، وفي هذه الحال يكون معذوراً بترك الجماعة لأنه تخلف عن الجماعة لعذر وهو حفظ ابنه وحمايته.

والنصيحة لأهل المسجد عموماً أن يتحملوا الأطفال الصغار ، وليتعاون الجميع على تعليمهم آداب المسجد ،وليس مجرد حصول صوت أو حركة من الصبي الصغير في المسجد بمسوغ لمنعه من المسجد ، فقد كان الأطفال يفعلون ذلك في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويقرهم ، ويخفف الصلاة رحمةً بهم ، وبأمهاتهن ، ولكن من علم منه زيادة أذية للمصلين ، فهذا هو الذي ينبغي ألا يصحب إلى المسجد حتى يتأب بآدابه

        حكم نعي الميت في المسجد :

الإعلان عن وفاة الميت في أوساط أقاربه ومعارفه من أجل الحضور للصلاة عليه ، وحضور دفنه فذلك جائز ، وليس من النعي المنهي عنه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات النجاشي بالحبشة أخبر المسلمين بموته وصلى عليه.

حكم اتخاذ المسجد طريقا :

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ المساجد طرقاً .

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تتخذوا المساجد طرقا ، إلا لذكر أو صلاة ) رواه الطبراني وقال الألباني هذا سند حسن

والمقصود بـ ” اتخاذ المساجد طرقا ” جعلها ممرا يجتازها الناس للوصول إلى حاجاتهم ، فيدخلون من باب ويخرجون من آخر من غير صلاة ، أما من فعل ذلك وصلى فيه ركعتين فلم يتخذ المسجد طريقا .

وقد ورد كراهة ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه : إن من أشراط الساعة أن يمر المار بمسجد فلا يركع فيه ركعتين .

وحكم المرور في المسجد من غير صلاة ، إن كان ذلك لعذر أو حاجة كالمشقة في سلوك طريق آخر فلا بأس بذلك ، وإن كان من غير عذر فهو مكروه .

وقد دل على هذا التفصيل بعض الأحاديث والآثار الواردة في جواز المرور في المسجد ، وقد بَوَّب البخاري رحمه الله في ” صحيحه ” بقوله : ” باب المرور في المسجد “، وذكر فيه حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا لَا يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا ) .

فهذا الحديث يدل على جواز المرور في المسجد ،ويُحْمَل أنه لعذر أو حاجة .

حكم عقد النكاح بالمسجد :

إنشاء عقد الزواج في المسجد جائز من حيث الأصل ، لا سيما إن كان ذلك أبعد لهم عن المنكر ، مما لو عقد في مكان آخر، ودليل المشروعية حديث الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، والذي رواه البخاري ومسلم ، حيث ثبت أنه زوجها لأحد أصحابه في المسجد.

وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن عقد النكاح في المسجد مستحب .

في ” الموسوعة الفقهية ” ( 37 / 214 ) :

استحب جمهور الفقهاء عقد النكاح في المسجد ؛ للبركة ، ولأجل شهرته ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف ) .انتهى

والحديث رواه الترمذي وهو حديث ضعيف ، ضعفه ابن حجر، والألباني ، وغيرهم .

فضل تنظيف المساجد:

عن أبي هريرة أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا مات قال أفلا كنتم آذنتموني به ؟ دلوني على قبره أو قال قبرها فأتى قبرها فصلى عليها” رواه البخاري ومسلم

ومعنى يقم : أي ينظف

قال ابن حجر في فتح الباري : “وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ , وَالسُّؤَالِ عَنْ الْخَادِمِ وَالصَّدِيقِ إِذَا غَابَ ” انتهى .

وعن عائشة قالت : ” أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدُّور وأن تنظف وتطيب “صححه الألباني في صحيح الترمذي

ومعنى الدُّور : أي الأحياء والقبائل .

وروي في فضل ذلك أحاديث ضعيفة نذكرها لبيان ضعفها ، وفيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كفاية ، فروى الترمذي ” عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد ” والحديث ضعفه الألباني

وحديث ” من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة ” والحديث ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجة .

وحديث: ” كنس المساجد مهور الحور العين ” ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة .

هل تدخل الشياطين المساجد ؟

ثبت في السنّة ما يدل على دخول الشياطين المساجد ، وأنها تدخل في خلل الصفوف ، وكذلك تشوش على الإنسان صلاته ، ليذهب خشوعه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( رُصُّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَيْنَهَا وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ فوالذي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهَا الْحَذَفُ )رواه أبو داود وصححه الألباني في ” المشكاة “

والحذف : صغار الضأن .

وعَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ” يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا ) قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي . رواه مسلم في صحيحه

وقوله : (يلبسها) أي يخلطها ويشككني فيها.

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ : ” قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: ( أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ) ، ثُمَّ قَالَ ( أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ ) ثَلَاثًا، وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ، قَالَ: ( إِنَّ عَدُوَّ اللهِ إِبْلِيسَ، جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي … ) رواه مسلم في صحيحه

وأخرج الشيخان وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ ، فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ ، وَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى ) .

فهذه الأحاديث وغيرها تدلّ دلالة واضحة على أن الشياطين تدخل المساجد ، وأنها إذا سمعت الأذان تولي وتذهب إلى حيث لا تسمع النداء ، ثم تعود بعد ذلك ، فتحول بين الرجل وبين صلاته وقراءته.

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 367 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم