قصة ماشطة ابنة فرعون
عناصر الخطبة:
أولا/ قصة ماشطة بنت فرعون.
ثانيا / دروس وعبر من القصة.
أولا/ قصة ماشطة بنت فرعون.
في سير الصالحين تذكرة لأولي الألباب، وهذه قصة سطرتها امرأة مؤمنة أمام أعظم طاغية، إنه فرعون الذي ادعى الألوهية، حتى حكا الله عنه أنه قال: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات:24]، وقال متوعدا كليم الله موسى -عليه السلام-: (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) [الشعراء:29]
أمام هذا الطاغية وقفت هذه المرأة المؤمنة التي لا نعرف اسمها لكن خلد الله ذكرها وثباتها ، وانتشر طيب صنيعها في الأرض وطيب ريحها في السماء، حتى وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طيب رائحته في رحلة الإسراء والمعراج.
إنها امرأة ضحت بأعز ما تملك في دنياها، ضحت بنفسها وبأبنائها، كانت خادمة تخدم بنت فرعون الطاغية، إلا أن الله -تعالى- حفظ اسمها وأعلى شأنها أكثر من أسماء ملوك وسلاطين كثير من أهل الأرض.
وسُميت بذلك لأنها كانت تمشط بناته أي أنها كانت تقوم بتزيينها .
وقد وردت قصتها في حديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا ، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ، فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ ؟
فَقَالَ : هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلادِهَا ،
قَالَ : قُلْتُ : وَمَا شَأْنُهَا ؟
قَالَ : بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ ، إِذْ سَقَطَتْ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا ، فَقَالَتْ : بِسْمِ اللَّهِ ،
فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ : أَبِي ؟
قَالَتْ : لا ، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ ،
قَالَتْ : أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ ! قَالَتْ : نَعَمْ ، فَأَخْبَرَتْهُ ،
فَدَعَاهَا فَقَالَ : يَا فُلانَةُ ؛ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي ؟
قَالَتْ : نَعَمْ ؛ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ ،
فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا ،
قَالَتْ لَهُ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، قَالَ : وَمَا حَاجَتُكِ ؟
قَالَتْ : أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا ، قَالَ : ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ ،
قَالَ : فَأَمَرَ بِأَوْلادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ ،
قَالَ : يَا أُمَّهْ ؛ اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَاقْتَحَمَتْ ([1])(
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : تَكَلَّمَ أَرْبَعَةُ صِغَارٍ : عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلام ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ ، وَشَاهِدُ يُوسُفَ ، وَابْنُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ .
أخرجه الإمام أحمد في المسند وقال ابن كثير في التفسير إسناده لا بأس به ، وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المسند (4/295) ، وقال الأرناؤوط في تخريج المسند (5/30 – 31 رقم 2821) : إسناده حسن
( المِدْرَى ) : هي حديدة يسوَّى بها شعر الرَّأس .
( فأمَر ببَقَرة من نُحاس فأُحْمِيت ) : قال ابن الأثير في النهاية (1/145) : قال الحافظ أبو موسى : الذي يقَعُ لي في معناه أنه لا يريد شيئاً مَصُوغا على صورة البَقرة ، ولكنَّه ربَّمَا كانت قِدرا كبيرةً واسعة ، فسماها بقرة ، مأخوذا من التَّبقُّر : التوسع ، أو كان شيئاً يَسع بقَرة تامَّة بِتَوابِلِها فسمِّيت بذلك .
ثانيا / دروس وعبر من القصة
قصة ماشطة ابنة فرعون تحمل العديد من الدروس والعبر التي تعكس قوة الإيمان والصبر على الابتلاء.
وفيما يلي بعض الدروس والعبر المستفادة من هذه القصة:
1- قوة الإيمان والثبات على الحق:
ماشطة ابنة فرعون واجهت أعظم طاغية في زمانها ولم تتردد في إعلان توحيد الله، رغم علمها بعاقبة ذلك؛ فالإيمان الراسخ يجعل المؤمن يتحدى أشد أنواع الظلم والطغيان.
2- الصبر على البلاء:
يبتلى المرء على قدر دينه، وهذه المرأة الصالحة قدمت حياتها وحياة أبنائها في سبيل الله، وهو قمة الصبر والثبات على الدين.
3- كرامة من الله بإنطاق الرضيع لتثبيتها:
عندما ألقي زبانية الطاغية بأبنائها واحداً تلو الآخر، أظهر الله لها كرامة لتثبيتها فأنطق الله بقدرته ابنها الرضيع الذي شجع أمه على الثبات قائلاً: “يا أمه، اقتحمي، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة”.
4-التضحية في سبيل الله:
الماشطة لم تخف على نفسها أو على أبنائها، بل ضحت بكل شيء من أجل مرضاة الله.
5- طيب ذكر المؤمنين:
شمَّ النبي صلى الله عليه وسلم رائحة طيبة أثناء الإسراء والمعراج، وقيل له إنها رائحة ماشطة ابنة فرعون وأبنائها، وهذا يبين أن التضحية في سبيل الله تظل خالدة، ويجعل الله لها ذكراً حسناً في الدنيا والآخرة.
([1]) أخرجه الإمام أحمد في ” المسند ” (1/309) ، والحاكم (2/496) .قال الذهبي في ” العلو ” (84) عن: ” هذا حديث حسن الإسناد “، وقال ابن كثير في” التفسير ” (3/15) : ” إسناده لا بأس به ” ، وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المسند (4/295) ، وقال الأرناؤوط في تخريج المسند (5/30 – 31 رقم 2821) : ” إسناده حسن ، فقد سمع حماد بن سلمة من عطاء قبل الاختلاط عند جمع من الأئمة. وبهذا يتبين أن هذه القصة صحيحة ثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم.