فقه الصلاة : 44-حالات المأموم مع الأمام

تاريخ الإضافة 10 أكتوبر, 2023 الزيارات : 22650

فقه الصلاة : 44-حالات المأموم مع الأمام

” المأمومُ مع إمامِهِ له أحوالٌ أربعٌ : المسابقة، المخالفة ، الموافقة، المتابعة.

الأول : المسابقة :

تعريفها : أن يسبق المأموم إمامه في ركن من أركان الصلاة كأن يسجد قبل الإمام أو يرفع قبله أو يسبقه بالركوع أو بالرفع من الركوع .

حكمها : اتفق العلماء على أن السبق في تكبيرة الإحرام أو السلام يبطل الصلاة .

واختلفوا في السبق في غيرهما فعند أحمد يبطلها ؛ قال : ليس لمن يسبق الإمام صلاة ، أما المساواة فمكروهة .

لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا لك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون ) رواه الشيخان .

وفي رواية أحمد وأبي داود ( إنما الإمام ليؤتم به : فإذا كبر فكبروا ، ولا تكبروا حتى يكبر ، وإذا ركع فاركعوا ، ولا تركعوا حتى يركع ، وإذا سجد فاسجدوا ، ولا تسجدوا حتى يسجد ) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يحول الله صورته صورة حمار ) رواه الجماعة

وعن أنس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس ، إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف ) رواه أحمد ومسلم .

ولا بالانصراف : أي الانصراف من السلام

وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ نَظَرَ إلَى مَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ ، فَقَالَ : لَا وَحْدَك صَلَّيْتَ ، وَلَا بِإِمَامِك اقْتَدَيْتَ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : وَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالرُّكْنِ مُؤْتَمًّا بِإِمَامِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَبَقَهُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ السَّلَامِ.

حكم صلاة من سبق إمامه : متى سَبَقَ المأمومُ إمامَه عالماً ذاكراً فصلاتُه باطلةٌ ، وإنْ كان جاهلاً أو ناسياً فصلاتُه صحيحةٌ ، لكن يلزمُه الرجوعُ ليأتيَ بما سَبَقَ فيه بعدَ إمامِه ، كمن رفع من السجود قبل أن يرفع إمامه فعليه أن يرجع ساجدا حتى يسمع صوت الإمام مكبرا رافعا رأسه من السجود .

الثاني : المخالفة :

التَّخلُّفُ عن الإِمامِ نوعان :

1 _ تخلُّفٌ لعذرٍ .

2 _ وتخلُّفٌ لغير عذرٍ .

فالنوع الأول : أن يكون لعذرٍ ، فإنَّه يأتي بما تخلَّفَ به ، ويتابعُ الإمامَ ولا حَرَجَ عليه، حتى وإنْ كان رُكناً كاملاً أو رُكنين، فلو أن شخصاً سَها وغَفَلَ، أو لم يسمعْ إمامَه حتى سبقَه الإمامُ برُكنٍ أو رُكنين، فإنه يأتي بما تخلَّفَ به، ويتابعُ إمامَه، فإن عَلِمَ بتخلُّفِهِ قبلَ أن يصلَ الإِمامُ إلى مكانِهِ فإنَّه يقضيه ويتابعُ إمامَه ، مثاله :

 

رَجُلٌ قائمٌ مع الإِمامِ فرَكَعَ الإِمامُ وهو لم يسمعْ الرُّكوعَ ، فلما قال الإِمامُ : «سَمِعَ اللهُ لمَن حمِدَه» سَمِعَ التسميعَ، فنقول له : اركعْ وارفعْ ، وتابعْ إمامَك ، وتكون مدركاً للركعةِ ؛ لأن التخلُّفَ هنا لعُذرٍ .

النوع الثاني : التخلُّف لغيرِ عُذرٍ .

إما أن يكون تخلُّفاً في الرُّكنِ ، أو تخلُّفاً برُكنٍ .

فالتخلُّفُ في الرُّكنِ معناه : أن تتأخَّر عن المتابعةِ ، لكن تدركُ الإِمامُ في الرُّكنِ الذي انتقل إليه ، مثل : أن يركعَ الإِمامُ وقد بقيَ عليك آيةٌ أو آيتان مِن السُّورةِ ، وبقيتَ قائماً تكملُ ما بقي عليك ، لكنك ركعتَ وأدركتَ الإِمامَ في الرُّكوعِ ، فالرَّكعةُ هنا صحيحةٌ ، لكن الفعلَ مخالفٌ للسُّنَّةِ ؛ لأنَّ المشروعَ أن تَشْرَعَ في الرُّكوعِ من حين أن يصلَ إمامك إلى الرُّكوعِ ، ولا تتخلَّف ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « وإذا رَكَعَ فاركعوا » .

والتخلُّفُ بالرُّكنِ معناه : أنَّ الإِمامَ يسبقك برُكنٍ ، أي : أن يركَعَ ويرفعَ قبل أن تركعَ ؛ القولَ الراجحَ أنَّه إذا تخلَّفَ عنه برُكنٍ لغيرِ عُذرٍ فصلاتُه باطلةٌ

وعلى هذا ؛ لو أنَّ الإِمامَ رَفَعَ مِن السجدةِ الأولى ، وكان هذا المأمومُ يدعو اللهَ في السُّجودِ فبقيَ يدعو اللهَ حتى سجدَ الإِمامُ السجدةَ الثانيةَ فصلاتُه باطلةٌ ؛ لأنه تخلُّفٌ بركنٍ ، وإذا سبقه الإِمامُ بركنٍ فأين المتابعة .

 

الثالث : الموافقة :

والموافقةُ : إما في الأقوالِ ، وإما في الأفعال ، فهي قسمان :

القسم الأول : الموافقةُ في الأقوالِ فلا تضرُّ إلا في تكبيرةِ الإِحرامِ والسلامِ 

أما في تكبيرةِ الإِحرامِ ؛ فإنك لو كَبَّرتَ قبلَ أن يُتمَّ الإِمامُ تكبيرةَ الإِحرام لم تنعقدْ صلاتُك أصلاً؛ لأنه لا بُدَّ أن تأتيَ بتكبيرةِ الإِحرامِ بعد انتهاءِ الإِمامِ منها نهائياً .

وأما الموافقةُ بالسَّلام ، فقال العلماءُ : إنه يُكره أن تسلِّمَ مع إمامِك التسليمةَ الأُولى والثانية ، وأما إذا سلَّمت التسليمةَ الأولى بعدَ التسليمة الأولى ، والتسليمةَ الثانية بعد التسليمةِ الثانية ، فإنَّ هذا لا بأس به ، لكن الأفضل أن لا تسلِّمَ إلا بعد التسليمتين .

القسم الثاني الموافقةُ في الأفعالِ وهي مكروهةٌ 

مثال الموافقة : لما قالَ الإِمام : «الله أكبر» للرُّكوعِ ، وشَرَعَ في الهوي هويتَ أنت والإِمامُ سواء، فهذا مكروهٌ ؛ لأنَّ الرسولَ عليه الصلاة والسلام قال : «إذا رَكع فاركعوا ، ولا تركعوا حتى يركعَ » وفي السُّجودِ لما كبَّرَ للسجودِ سجدتَ ، ووصلتَ إلى الأرضِ أنت وهو سواء، فهذا مكروهٌ ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه، فقال: «لا تسجدوا حتى يسجدَ» .

الرابع : المتابعة

المتابعة هي السُّنَّةُ ، ومعناها : أن يَشْرَعَ الإنسانُ في أفعالِ الصَّلاةِ فَوْرَ شروعِ إمامِهِ ، لكن بدون موافقةٍ .

فمثلاً : إذا رَكَعَ تركع ؛ وإنْ لم تكملْ القراءةَ المستحبَّةَ ، ولو بقيَ عليك آيةٌ ، لكونها توجب التخلُّفَ فلا تكملها ، وفي السُّجودِ إذا رفعَ مِن السجودِ تابعْ الإِمامَ ، فكونك تتابعُه أفضلُ من كونك تبقى ساجداً تدعو الله ؛ لأنَّ صلاتَك ارتبطت بالإِمامِ ، وأنت الآن مأمورٌ بمتابعةِ إمامِكِ .

وينبغي ألا يشرع المأموم في الانتقال إلى الركن حتى يصل إليه الإمام ، فلا يبدأ في الانحناء للسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض ؛ قال البراءُ بن عَازب : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال : « سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه » لم يَحْنِ أحدٌ منَّا ظهرَهُ حتى يقعَ النبي صلى الله عليه وسلم سَاجداً ، ثم نَقَعُ سجوداً بعدَه . رواه البخاري ومسلم

وجوب متابعة الإمام وحرمة مسابقته :

تجب متابعة الإمام وتحرم مسابقته ،

وعن البراء بن عازب قال : كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع النبي صلى الله عليه وسلم جبهته على الارض . رواه الجماعة .

ما حكم قيام المسبوق قبل أن يتم الإمام التسليمتين؟

اتفق أكثر أهل العلم على أن التسليم فريضة من فرائض الصلاة وقد ثبتت الأحاديث بذلك ومنها عن علي –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ) رواه أبو داود وصححه الألباني

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختم الصلاة بالتسليم ) رواه مسلم . وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهقال : ( كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده ) رواه مسلم.

وبعد اتفاق جمهور أهل العلم على أن التسليم فرض اختلفوا هل المطلوب تسليمة واحدة أو تسليمتان؟

1.ذهب الحنفية إلى أن التسليم من الصلاة سنة لا واجب.

2.وذهب المالكية إلى أن المشروع تسليمة واحدة ولا تشرع الثانية في حق الإمام والمنفرد.

3.وذهب الشافعية وهو رواية عند الحنابلة رجحها ابن قدامة إلى أن الأولى واجبة والثانية مستحبة.

4.والرواية الثانية عند الحنابلة وهي المذهب عند المتأخرين أن التسليمتين ركن.

والراجح إن شاء الله أن التسليمة الأولى ركن والثانية مستحبة.

قال ابن قدامة: والواجب تسليمة واحدة والثانية سنة .

وقال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة.

ودليل جواز الاقتصار على تسليمة واحدة هو ما رواه الترمذي وغيره عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة تلقاء وجهه، وروى الاقتصار على تسليمة واحدة سلمة بن الأكوع كما عند ابن ماجه.

 

قال ابن قدامة : ولأن عائشة وسلمة بن الأكوع وسهل بن سعد قد رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة ففيما ذكرناه جمع بين الأخبار وأقوال الصحابة رضي الله عنهم في أن يكون المشروع والمسنون تسليمتين والواجب واحدة ، وقد دل على صحة هذا الإجماع الذي حكاه ابن المنذر فلا معدل عنه وفعل النبي صلى الله عليه و سلم يحمل على المشروعية والسنة فإن أكثر أفعال النبي صلى الله عليه و سلم في الصلاة مسنونة غير واجبة فلا يمتنع حمل فعله لهذه التسليمة على السنة عند قيام الدليل عليها. انتهى

وبناء على الخلاف المتقدم يتفرع الخلاف في وقت قيام المسبوق لقضاء ما فاته:

1-    فالحنابلة الموجبون للتسليمتين يقولون لا يجوز أن يقوم قبل تسليمة الإمام الثانية ، فإن خالف وجب عليه الرجوع، فإن لم يرجع لم تصح صلاته فرضا وصحت نفلا.

2-ومن جعل التسليمة الثانية مستحبة جوز للمسبوق أن يقوم بعد التسليمة الأولى للإمام لا قبلها، وإن كان المستحب أن ينتظر حتى يسلم الإمام التسليمتين.

انعقاد الجماعة بواحد مع الإمام :

عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من استيقظ من الليل فأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ) رواه أبو داود .

وعن أبي سعيد أن رجلا دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من يتصدق على ذا فيصلي معه ؟ ) فقام رجل من القوم فصلى معه . رواه أحمد.

وروى ابن أبي شيبة : أن أبا بكر الصديق هو الذي يصلي معه.

جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة:

جاء عن ابن عباس قال : بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فقمت أصلي معه ، فقمت عن يساره ، فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه . رواه الجماعة .

في الحديث دليل على جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة وانتقاله إماما بعد دخوله منفردا لا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة.

وفي البخاري عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في حجرته وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول الله‌صلى الله عليه وسلم فقام ناس يصلون بصلاته فأصبحوا فتحدثوا ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الليلة الثانية فقام ناس يصلون بصلاته .

جواز انتقال الإمام مأموما :

يجوز للإمام أن ينتقل مأموما إذا استخلف فحضر الإمام الراتب ، لحديث الشيخين عن سهل بن سعد : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ، فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال : أتصلي بالناس فأقيم ؟ قال : نعم .

قال فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف ، فصفق الناس ، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة ، فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله : أن امكث مكانك ، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف .

 

فقال : ( يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ ) فقال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مالي رأيتكم أكثرتم التصفيق ؟ من نابه شئ في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء) .

 

وفي الحديث دليل على أن المشي من صف إلى صف يليه لا يبطل الصلاة . وأن حمد الله تعالى لأمر يحدث والتنبيه بالتسبيح جائزان ، وأن الاستخلاف في الصلاة لعذر جائز من طريق الأولى لان قصاراه وقوعها بإمامين ، وفيه جواز كون المرء في بعض صلاته إماما وفي بعضها مأموما ، وجواز رفع اليدين في الصلاة عند الدعاء والثناء ، وجواز الالتفات للحاجة ، وجواز مخاطبة المصلي بالإشارة ، وجواز الحمد والشكر على الوجاهة في الدين ، وجواز إمامة المفضول للفاضل ، وجواز العمل القليل في الصلاة .. أفاده الشوكاني .

إدراك المأموم للإمام :

من أدرك الإمام كبر تكبيرة الإحرام قائما ودخل معه على الحالة التي هو عليها ، وأما تكبيرة الانتقال فإن أتى بها فحسن وإلا كفته تكبيرة الإحرام.

وتحقق له فضيلة الجماعة وثوابها بإدراك تكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام ولا يعتمد بركعة حتى يدرك ركوعها سواء أدرك الركوع بتمامه مع الإمام أو انحنى فوصلت يداه إلى ركبتيه قبل رفع الإمام ، فعن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة ) رواه أبو داود

ولا تعدوها شيئا : أي أن من أدرك الإمام ساجدا وافقه في السجود ولا يعد ذلك ركعة ، ومن أدرك الركعة : أي الركوع مع الإمام ، فقد أدرك الصلاة : أي الركعة وحسبت له 

النهي عن علو الإمام عن المأموم في مكان واحد إلا لغرض شرعي :

يكره أن يقف الإمام أعلى من المأموم ، فعن أبي مسعود الأنصاري قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الإمام فوق شئ والناس خلفه ) يعني أسفل منه ، رواه الدار قطني وصححه الألباني

وعن همام ابن الحارث أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان (مكان مرتفع ) فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه (أخذه بشدة) فلما فرغ من صلاته قال : ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك ؟ قال : بلى ، فذكرت حين جذبتني . رواه أبو داود

 

فإن كان للإمام غرض من ارتفاعه على المأموم فإنه لا كراهة حينئذ ، فعن سهل بن سعد الساعدي قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر أول يوم وضع فكبر وهو عليه ثم ركع ثم نزل القهقهري (المشي إلى الخلف ) وسجد في أصل المنبر ثم عاد فلما فرغ أقبل عن الناس فقال : ( أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتتعلموا صلاتي ) رواه أحمد والبخاري ومسلم .

 

وأما ارتفاع المأموم على الإمام فجائز ، لما رواه سعيد بن منصور والشافعي والبيهقي وذكره البخاري تعليقا عن أبي هريرة أنه صلى على ظهر المسجد بصلاة الإمام .

 

قال الشوكاني : وأما ارتفاع المؤتم فإن كان مفرطا بحيث يكون فوق ثلاثمائة ذراع على وجه لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام فهو ممنوع بالإجماع من غير فرق بين المسجد وغيره ، وإن كان دون ذلك المقدار فالأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع ، ويعضد هذا الأصل فعل أبي هريرة المذكور ولم ينكر عليه .

أما إذا كان مع الإمام في المكان المرتفع بعض الصفوف من المأمومين زال المنع فلا حرج ولا كراهة؛ لأن الإمام في هذه الحالة لم ينفرد بمكانه، فحينئذ يُصلى معه وفوقه، وتحته.

 

اقتداء المأموم بالإمام مع الحائل بينهما :

أولاً: يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد وإن لم يره ولا من وراءه إذا سمع التكبير؛ حتى لو لم تتصل الصفوف؛لأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم الاقتداء به بسماع التكبير، أشبه المشاهدة، ولو كان بينهما حائل إذا علم حال الإمام بالتكبير أو غيره؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته( التي احتجرها في المسجد) وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلى الله عليه وسلم فقام أناس يصلون بصلاته…) رواه البخاري

 

ثانياً: إذا كان المأموم خارج المسجد والإمام داخله صحّ الاقتداء إن رأى المأموم الإمام أو بعض المأمومين الذين وراء الإمام ولو كانت الرؤية في بعض الصلاة، أو من شباك ونحوه.

 

ثالثاً: إذا كان المأموم خارج المسجد والإمام داخله وفصل بينهم نهر أو طريق كبير لم تتصل فيه الصفوف مع رؤية المأمومين للإمام أو بعض الصفوف خلفه فقيل تصحّ،وقيل لا تصح.

قال ابن باز – رحمه الله -: (إذا كان المأمومون خارج المسجد ويرون بعض الصفوف أمامهم ولو فصل بينهم بعض الشوارع فلا حرج في ذلك؛ لوجوب الصلاة في الجماعة، وتمكنهم منها بالرؤية للإمام أو بعض المأمومين، لكن ليس لأحد أن يصلي أمام الإمام؛ لأن ذلك ليس موقفاً للمأموم). مجموع الفتاوى، 12/212

 

وقد جاء بعض الآثار في ذلك عن بعض السلف الصالح، قال الإمام البخاري – رحمه الله -: (بابٌ: إذا كان بين الإمام والمأموم حائط أو سُترة).ثم قال.وقال الحسن:(لا بأس أن تُصلِّي وبينك وبينه نهر).

وقال أبو مجلز: (يأتم بالإمام – وإن كان بينهما طريق أو جدار – إذا سمع تكبير الإمام)

حكم الائتمام بمن ترك فرضا :

تصح إمامة من أخل بترك شرط أو ركن إذا أتم المأموم وكان غير عالم بما تركه الإمام ، لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يصلون بكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وان أخطأوا فلكم وعليهم ) رواه أحمد والبخاري . وعن سهل قال ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم ، وإن أساء فعليه ) يعني ولا عليهم ، رواه ابن ماجة .

وقد ثبت عن عمر بن الخطاب ( أنه صلى بالناس الصبح ثم غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلاماً، فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وأعاد صلاته بعد أن طلعت الشمس ولم يعد الناس) رواه مالك في الموطأ

فدل ذلك على أن صلاة الإمام إذا فسدت لم تفسد صلاة المأمومين إذا لم يعلموا فساد صلاة إمامهم، وحتى لو علموا بعد انتهاء الصلاة لا يؤثر ذلك في صحة صلاتهم، ويعيد الإمام ولا يعيد المأمومون.

 

التبليغ خلف الإمام :

يستحب التبليغ خلف الإمام عند الحاجة إليه بأن لم يبلغ صوت الإمام المأمومين : أما إذا بلغ صوت الإمام الجماعة فهو حينئذ بدعة مكروهة باتفاق ألائمة .

حكم صلاة الإمام قاعدا :

إذا عجز الإمام عن القيام صلى جالساً ويصلي الناس قعوداً متابعة له، أما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في مرضه والناس قياماً فهذا يدل على الجواز، ولكن الأفضل إذا صلى الإمام قاعداً أن يصلي المأمومون خلفه قعوداً ، مع ملاحظة أن الإمام الذي نتحدث عنه هو الأمام الراتب ، ويشترط أن يكون مرضه عارضا وليس مزمنا .

عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شَاكٍ فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: (إنما جُعل الإمامُ ليؤتمَّ به فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً) متفق عليه

 

وعن أنس قال: سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس فجُحِشَ شقّه الأيمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعداً فصلينا وراءه قعوداً، فلما قضى الصلاة قال: (إنما جُعل الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا كبر فكبروا، [فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً] وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) متفق عليه

 

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قياماً فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعوداً، فلما سلم قال: (إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً)رواه مسلم ، وفي حديث أبي هريرة: (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون) متفق عليه

 

يقول ابن باز – رحمه الله -: (قوله وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً..) هذا فيه حجة على أن الإمام إذا اعتل فلا بأس أن يصلي قاعداً والناس قعوداً متابعة له، وصرف هذا الأمر عن الوجوب ما فعل آخر حياته صلى الله عليه وسلم ، فقد صلى بالناس قاعداً والناس قياماً يقتدون بأبي بكر مبلغاً، وهذا يدل على جواز قيام المأمومين، فالراجح أن الصلاة مع الإمام القاعد قعوداً أفضل، وإذا صلوا خلفه قياماً جاز، وقيل: هذا ناسخ للجلوس، والصواب أنه ليس بناسخ؛ لأن القاعدة أن الجمع مقدم إذا أمكن، والجمع ممكن، وهو أن الجلوس أفضل متابعة للإمام، وإن قاموا وصلوا قياماً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم آخر حياته فلا بأس، وقيل: إن شرع الإمام قائماً ثم اعتل أتموا قياماً، وإن شرع جالساً صلوا جلوساً)

 

جواز مفارقة الإمام لعذر :

حكم من نوى مفارقة الإمام :

وَإِنْ انْفَرَدَ مُؤْتَمٌّ عن إمامه بلا عُذْرٍ بَطَلتْ صلاته ، وإن كان هناك عُذْر جازفصلاته منفردا صحيحة ،ومثال ذلك:

1- تطويل الإمام تطويلاً مفرطا، فإنه يجوز للمأموم أن ينفرد، ودليل ذلك: قصَّة الرَّجُل الذي صَلَّى مع معاذ ففارقه لما صلى بالبقرة ، ولم يوبِّخِ النبي الرَّجُلَ، ولم يأمره بإعادة الصلاة .

2- أن يطرأ على المصلي قَيْئٌ في أثناء الصَّلاة؛ولا يستطيع أن يبقى حتى يكمل الإمام؛ فيخفِّف في الصَّلاة وينصرف.

3- أن يطرأ على الإنسان غازاتٌ «رياح في بطنه» يَشُقُّ عليه أن يبقى مع إمامه فينفرد ويخفِّف وينصرف، ومثله احتباسُ البول أو الغائط.

4-  أن تكون صلاة المأموم أقلَّ من صلاة الإمام، مثل: أن يُصلِّي المغرب خلف من يصلِّي العشاء على القول بالجواز؛ فإنه في هذا الحال له أن ينفرد ويقرأ التشهد ويُسَلِّمَ وينصرف، أو يجلس حتى يأتي الإمام بالرابعة ويتشهد ويسلم معه ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الحقُّ، ونوعُ العُذر هنا عُذر شرعيّ؛ لأنَّه لو قام مع الإمام في الرَّابعة لبطلت صلاتُه.

ويلحق بهذه الصور حدوث مرض أو خوف ضياع مال أو تلفه أو فوات رفقة أو حصول غلبة نوم ، ونحو ذلك .

لما رواه الجماعة عن جابر قال : كان معاذ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم ، فأخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء فصلى معه ثم رجع إلى قومه فقرأ سورة البقرة فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له . نافقت يا فلان ، قال : ما نافقت ، ولكن لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال : ( أفتان أنت يا معاذ ، أفتان أنت يا معاذ ، اقرأ سورة كذا وكذا ) .

تحول المسبوق إلى إمامة مسبوقين

 

هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء ما بين مجيزٍ ومانع ،

 

وخلاصة الأمر كما يقول ابن عثيمين رحمه الله : فقد قال بعض العلماء : بأن هذا جائز ؛ وأنه لا بأس أن يتَّفق اثنان دخلا وهما مسبوقان ببعض الصَّلاة على أن يكون أحدُهما إماماً للآخر ، وقالوا : إن الانتقال من إمام إلى إمام آخر قد ثبتت به السُّنَّة كما في قضيَّةِ أبي بكر مع الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلامُ ( حيث أمَّ أبو بكر بالناس في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الصلاة فلما رآه أبو بكر تأخر ليتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاة . رواه البخاري ومسلم

 

فحصل في هذه القصة انتقالان :
الأول : انتقال أبي بكر من الإمامة إلى الإتمام .
الثاني : انتقال الصحابة من الإئتمام بأبي بكر إلى الإئتمام بالنبي صلى الله عليه وسلم .

وقيل : إن هذا لا يجوز ؛ لأن هذا تضمَّن انتقالاً من إمام إلى إمام ، وانتقالاً من ائتمام إلى إمامة بلا عُذر ، ولا يمكن أن ينتقل من الأدنى إلى الأعلى ، فكون الإنسان إماماً أعلى من كونه مأموماً .

قالوا : ولأنَّ هذا لم يكن معروفاً في عهد السَّلف ، فلم يكن الصَّحابة إذا فاتهم شيءٌ من الصَّلاة يتَّفقون أن يتقدَّم بهم أحدُهم ؛ ليكون إماماً لهم ، ولو كان هذا من الخير لسبقونا إليه .
لكن القائلين بجوازه لا يقولون إنه مطلوب من المسبوقين أن يتَّفِقَا على أن يكون أحدهما إماماً ، بل يقولون : هذا إذا فُعل فهو جائز ، وفرق بين أن يُقال : إنه جائز وبين أن يُقال بأنه مستحبٌّ ومشروع ، فلا نقول بمشروعيَّته ولا نندب النَّاس إذا دخلوا وقد فاتهم شيء من الصَّلاة ؛ أن يقول أحدُهم : إني إمامُكم ، لكن لو فعلوا ذلك فلا نقول : إن صلاتَكم باطلة ، وهذا القول أصحُّ ، أي : أنه جائز ، ولكن لا ينبغي ؛ لأن ذلك لم يكن معروفاً عند السَّلف ، وما لم يكن معروفاً عند السَّلف فإن الأفضل تركه ؛ لأننا نعلم أنهم أسبق منَّا إلى الخير ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.

(2) تعليقات


  • الصغير لحمر

    كنا نصلى المغرب في المسجد فأغمي على احد المصلين كان بجانبي فضطررت للتسليم و الخروج من الصلاة و يعد ان اجلست المصلي المغمى عليه كبرت من جديد و دخلت في الصلاة مع الامام ما حكم ذلك ؟


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 367 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم