السنن المهجورة (17) سنة صلاة التسابيح
سبب تسميتها :
سميت بصلاة التسبيح، أو التسابيح؛ لكثرة ما فيها من تسبيح الله تعالى.
فإذا قيل: الذكر الذي يُقال فيها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
فلم أُطْلِق عليه التسبيح وفيه التحميد والتكبير والتهليل؟
فالجواب: أنَّ التحميد والتهليل والتكبير والذكر تسبيح.
أما التحميد فلأن الله يقول: “سبحان الذي سخَّر لنا هذا” [الزخرف/13]. فالتسبيح فيها التحميد،والمعنى: الحمد لله الذي سخر لنا هذا.
وأما التهليل فلأنه تنزيهٌ عن الشريك، والتسبيح ال
تنزيه.
والذكر كله تسبيح، قال الله: “فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون” [الروم/17]، أي: اذكروا الله.
والتكبير: التعظيم، ومن سبح ربَّه فقد عظمه. ولهذا سميت بصلاة التسابيح.
دليلها :
عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ابن عبد المطلب : ( يا عباس يا عماه ، ألا أعطيك ، ألا أمنحك ، ألا أحبوك (أخصك ) ، ألا أفعل بك عشر خصال ، إذا أنت فعلت ذلك غفر الله ذنبك أوله وآخره ، وقديمه وحديثه ، وخطأه وعمده ، وصغيره وكبيره ، وسره وعلانيته . عشر خصال : أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة ، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة فقل وأنت قائم : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر خمس عشرة ، ثم تركع فتقول وأنت راكع عشرا ثم ترفع رأسك من الركوع . فتقولها عشرا ، ثم تهوي ساجدا فتقول وأنت ساجد عشرا ، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا ، ثم تسجد فتقولها عشرا ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا (أي في جلسة الاستراحة قبل القيام ) . فذلك خمس وسبعون في كل ركعة ، تفعل ذلك في أربع ركعات . وإن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل ، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة ، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة ، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة ) . رواه أبو داود وابن ماجة .
(ألا أفعل بك عشر خصال)أي أعلمك ما يكفر عشر أنواع من ذنوبك .
وهذا الحديث اختلف العلماء فى تصحيحه وتضعيفه :
أولا:من قالوا بتضعيفه :
الإمام أحمد والترمذي وابن العربي وأورده ابن الجوزي فى الموضوعات وشيخ الإسلام ابن تيمية ،وتوقف فيه ابن خزيمة والذهبي وقال ابن حجر ( الحق أن طرقه كلها ضعيفة وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه وعدم المتابعة والشاهد من وجه معتبر ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات) .
ومن المعاصرين : الشيخ يوسف القرضاوي وقال إن الانشغال بغيرها أولى واستغرب هيئتها وكذلك ابن عثيمين كما نقل عنه في الفتاوى وابن باز .
ثانيــا / من قالوا بتصحيحه :
قوى الحديث جمع من العلماء منهم مسلم وأبو داود – كما نقله المنذرى في الترغيب والترهيب- والحاكم والبيهقى .
ومن المعاصرين الشيخ أحمد شاكر والألباني صححه في صحيح سنن أبى داوود وابن ماجة والترمذي وفى صحيح الجامع الصغير .
وقال ابن قدامة فى المغنى : إن فعلها إنسان فلا بأس فإن النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها ، قلت: قد صح الحديث عند بعض أهل العلم كما سبق .
شبهة وجوابها :
بعض أهل العلم يرى أن من دلائل عدم ثبوتها مخالفتَها لهيئة الصلاة المعروفة؟
والجواب بالمنع والتسليم.
أما المنع فلأن هيئتها لا تخالف هيئة الصلوات؛ ففيها القيام والقراءة، والركوع، والسجود.
وأما الجلسة التي تكون قبل القيام للركعة التالية فهي شبيهة بجلسة الاستراحة التي كان يفعلها نبينا صلى الله عليه وسلم.
وأما التسليم فلو سلَّمنا بذلك فإنَّ العبرة بثبوت الحديث، فما دام الحديث ثابتاً فلا يرد مثل هذا الكلام، أرأيت صلاة الجنازة هل يوجد من يقول بعدم مشروعيتها؟ فأين موافقتها لهيئة الصلوات الباقيات؟!وكذا صلاة الكسوف ففيها قيامان وركوعان وسجودان .
فضلها :
بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «غفر الله لك ذنبك؛ أولَه وآخرَه، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سرَّه وعلانيته». وفي رواية لأبي داود: «فإنَّك لو كنتَ أعظمَ أهلِ الأرض ذنباً غفر لك بذلك». ولابن ماجة: «فلو كانت ذنوبُك مثلَ رمل عالج غفرها الله لك». والعالج: ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض، وهو أيضاً اسم لموضع كثير الرمال.
وهذا التكفير للذنوب مرده إلى أمرين:
الأول:
للصلاة، فإن لها أثراً كبيراً في محو الذنوب. ففي الصحيحين عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله عز وجل: ” وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ” [هود/114]، فقال الرجل: يا رسول الله ألي هذا؟ قال: «لجميع أمتي كلِّهم».
الثاني:
للتسبيح الوارد فيها، فإنَّ هذا الذكر من مكفرات الذنوب. فعن أنس رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بشجرة يابسة الورق، فضربها بعصا فتناثر ورقها، فقال: «إِنَّ الحمدُ لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لتُساقطُ من ذنوبِ العبد كما تَساقَطَ وَرَقُ هذه الشجرة» رواه الترمذي.
فكيف إذا اجتمع الأمران؟
وكل حديث يدل على فضل هذا الذكر (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) لهو دليل على فضلها، ومن ذلك:
حديث سمرة بن جندب ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت» رواه مسلم.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا جنتكم». قالوا: يا رسول الله عدو حضر؟ قال: «لا، ولكن جنتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مجنبات ومعقبات، وهن الباقيات الصالحات» رواه النسائي.
ومعنى مجنبات: يكون ثوابهن إلى جنب صاحبها، ومعقبات: يعود ثوابهن إليه، والباقيات الصالحات: كل ما بقي ثوابه لصاحبه فهو من الباقيات الصالحات.
وعن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ به وهو يغرس غرساً فقال: «يا أبا هريرة ما الذي تغرس»؟ قلت: غراسا. قال: «ألا أَدُلُّك على غراس خير من هذا؟ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة» رواه ابن ماجة. ومن غرس له في الجنة غرس لابد أن يمتع به.
كيفية صلاة التسابيح:
– صلاة التسابيح أربع ركعات.
– ليس في صلاة التسابيح تشهد أوسط، وإنما تُصَلَّى الركعات كلُّها مُتَّصِلة بدون تشهد في الوسط ، أو ركعتين ركعتين .
– يقال هذا الذكر: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) بعد قراءة الفاتحة وسورة بعدها خمس عشرة مرة
وفي الركوع عشراً
وعند الرفع منه عشراً
وفي السجدة الأولى عشراً
وفي الجلوس بين السجدتين عشراً
وفي السجدة الثانية عشراً
وبعدها قبل القيام للركعة الثانية عشراً .
فهذه خمس وسبعون مرة.
– يكرر هذا الذكر بذات الطريقة في كل ركعة.
– يقال هذا الذكر في الصلاة كلِّها (300) مرة. ففي رواية الترمذي وابن ماجة: «وهي ثلاثمائة في أربع ركعات».
– يقال هذا الذكر مركباً، فليس مراداً أن يقال: سبحان الله عشراً والحمد لله عشراً… وإنما يكون التكرار من جملته (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) خمس عشرة مرة بعد القراءة، وعشراً في غير ذلك من المواطن.
وقتها:
ليس لها وقت معين، وإنما تؤدى في أي ساعة من ليل أو نهار، سوى أوقات النهي التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و يجوز أن تصلى فرادى وجماعات ولا ينبغى تحديدها بشهر رمضان فقط كما يظن البعض