قصة قلادة خديجة
خرج أبو العاص بن الربيع في غزوة بدر مع المشركين لمحاربة النبي ولما أُسِر بعدها، بعث أهل مكة في فداء أسراهم وبعثت زينب بنت رسول الله في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها، فلما رآها رسول الله رق لها رقة شديدة وقـال: “إن زينب بعثت بهذا المال لافتداء أبي العاص، فإن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا”. فوافقوا، لكن النبي عليه الصلاة والسلام اتفق معه على أن يرجع إلى مكة فيرسل له ابنته زينب، وأرسل معه مرافقين لاستلامها على مشارف مكة، وبالفعل وفى بوعده وأرسلها على الفور.
أقام أبو العاص في مكة بعد فراق زوجته زمناً، حتى إذا كان قبيل الفتح بقليل، خرج إلى الشام في تجارة له، فلما قفل راجعا إلى مكة ومعه عيره التي بلغت مئة بعير، ورجاله الذين كانوا تقريبا مئة وسبعين رجلا، برزت له سرية من سرايا الرسول صلوات الله وسلامه عليه قريبا من المدينة، فأخذت العير وأسرت الرجال، ولكن أبا العاص أفلت منها فلم تظفر به.
فلما أرخى الليل سدوله واستتر أبو العاص بجنح الظلام، دخل المدينة خائفاً يترقب، ومضى حتى وصل إلى زينب، واستجار بها فأجارته. ولما خرج الرسول صلوات الله وسلامه عليه لصلاة الفجر، واستوى قائما في المحراب، وكبر للإحرام وكبر الناس بتكبيره، صرخت زينب من صفة النساء وقالت: “أيها الناس، أنا زينب بنت محمد، وقد أجرت أبا العاص فأجيروه.” فلما سلم النبي من الصلاة، التفت إلى الناس وقال: “هل سمعتم ما سمعت؟” قالوا: نعم يا رسول الله. قال: “والذي نفسي بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتموه، وإنه يجير من المسلمين أدناهم”، ثم انصرف إلى بيته وقال لابنته: “أكرمي مثوى أبي العاص، واعلمي أنك لا تحلين له”.
ثم دعا رجال السرية التي أخذت العير وأسرت الرجال وقال لهم: “إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أخذتم ماله، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، كان ما نحب، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم، وأنتم به أحق”. فقالوا: “بل نرد عليه ماله يا رسول الله”. فلما جاء لأخذه قالوا له: “يا أبا العاص، إنك في شرف من قريش، وأنت ابن عم رسول الله وصهره، فهل لك أن تسلم، ونحن ننزل لك عن هذا المال كله فتنعم بما معك من أموال أهل مكة وتبقى معنا في المدينة؟”
فقال: “بئس ما دعوتموني أن أبدأ ديني الجديد بغدرة.”
مضى أبو العاص بالعير وما عليها إلى مكة فلما بلغها أدى لكل ذي حق حقه، ثم قال:
“يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟”
قالوا: “لا وجزاك الله عنا خيرا، فقد وجدناك وَفِيًّا كريما.”
قال: “أما وإني قد وفيت لكم حقوقكم، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
والله ما منعني من الإسلام عند محمد في المدينة إلا خوفي أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم.
فلما أداها الله إليكم، وفرغت ذمتي منها أسلمت.”
ثم خرج حتى قدم على رسول الله، فأكرم وفادته ورد إليه زوجته، وكان عليه الصلاة والسلام يقول عنه: “حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي”.