هل الموتى يعرفون أخبار الاحياء ؟
الحديث عن الموتى وأحوالهم من الأمور الغيبية التي يتوقف في معرفتها على نصوص الوحي من الكتاب أو السنة.
وقد اختلف العلماء في مسألة سماع الأموات كلام الأحياء ، فمنهم من قال بأنهم يسمعون كلام الأحياء ، ومنهم من نفى ذلك .
واستدل المثبتون بأدلة منها :
1 – ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال – عن الميت – “إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا ” .
2 – حديث خطاب النبي صلى الله عليه وسلم قتلى بدر من المشركين – بعد أن تركهم ثلاثة أيام – ” يا أبا جهل بن هشام ، يا أمية بن خلف ، فسمع عمر رضي الله عنه ذلك فقال: يا رسول الله ! كيف يسمعوا وأنى يجيبوا ، وقد جيفوا ؟ فقال : ” والذي نفسي بيده ، ما أنت بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا “. ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر. رواه البخاري ومسلم .
وقد سئل الإمام ابن تيمية رحمه الله هل الميت يسمع كلام زائره ؟ فأجاب: نعم يسمع في الجملة ، واستدل بما سبق .
3 – ما ثبت في الصحيحين من غير وجه أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالسلام على أهل القبور فيقول : ” قولوا دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون”.الحديث.
قالوا : فهذا خطاب لهم ، وإنما يخاطب من يسمع، إلى غير ذلك .
والقائلون بسماع الموتى منهم من قال بسماع الموتى مطلقاً ، ومنهم قيد ذلك بقوله: فهذه النصوص وأمثالها تبين أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي ، ولا يجب أن يكون السمع له دائماً ، بل قد يسمع في حالٍ دون حال ، وهذا السمع سمع إدراك ، ليس يترتب عليه جزاء ، ولا هو السمع المنفي بقوله : (إنك لا تسمع الموتى ) فإن المراد بذلك : سمع القبول والامتثال وهذا اختيار الإمام ابن تيمية .
وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها : سماع الموتى لكلام الأحياء محتجة بقوله تعالى : ( إنك لا تسمع الموتى ) وبقوله : ( وما أنت بمسمع من في القبور) .[فاطر: 22].
وقد وافق عائشة جماعة من العلماء الحنفية ، وقالوا : بأن سماع أهل القليب للنبي معجزة ، أو خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأما حديث: ” يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه ” فقالوا : بأن ذلك خاص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال جمعاً بينه وبين الآيتين.
والحق أن هذه المسألة قد أطال العلماء فيها الكلام ، ومن هؤلاء : الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ، والحافظ ابن كثير حيث انتصر لسماع الموتى في تفسير سورة الروم ، والحافظ ابن رجب في كتابه : أهوال القبور ، وصاحب تكملة أضواء البيان .. وقد انتصر الألوسي في: الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات ، لعدم سماع الموتى .
والحق الذي لا مراء فيه أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي ، ولا يلزم أن يكون السمع له دائماً ، بل قد يسمع في حال دون حال ، كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأما دعوى المخالفين : الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم فلا دليل عليها في هذه المسألة.