صفات عباد الرحمن 9- التوبة النصوح

تاريخ الإضافة 9 ديسمبر, 2022 الزيارات : 6047

صفات عباد الرحمن

 9- التوبة النصوح

لا زلنا نعيش في رحاب القرآن مع عباد الرحمن ؛ الذين شرفهم الله بالإضافة إلى نفسه ووقفنا في أوصافهم عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان

لقد وصفهم الله بعمل الخيرات واجتناب السيئات فهم (لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ )ومن فعل شيئا من هذه الكبائر (يلق أثاما ) أي جزاء ونكالا ( يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) عذاب مضاعف يكرر عليه ويغلظ ، وعذاب جهنم ليس يوم ولا يومين ولا سنة ولا سنتين …إنه الخلود (وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) ومع العذاب المادي هناك إهانة نفسية معنوية ؛إنه يخلد في هذا العذاب حقيرا مهانا ذليلا ، مهما كانت مكانته في الدنيا فهو عند الله ذليل .

هذا شأن من يرتكبون تلك الكبائر، لكن هل سد عليهم الباب فلا رحمة ينتظرونها ولا عفو يرتقبونه ؟ كلا فقد استثنى الله عز وجل ( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )

هكذا فتح الله باب التوبة على مصراعيه ، وهذا من رحمة الله بعباده فهو سبحانه يعلم ضعفهم ، وما أودع فيهم من الغرائز ، ويعلم وسوسة الشيطان لهم ، علم الله ذلك ففتح لهم باب التوبة وهو سبحانه الذي سمى نفسه التواب وأخبر أنه (يحب التوابين ويحب المتطهرين ) البقرة 222

فلو شاء لخلقنا ملائكة لا نعصي لكنه خلقنا بشرا نصيب ونخطيء ونستغفر ونتوب فيتوب الله علينا ،فلابد لأسماء الله الحسنى أن تعمل عملها فإن من أسماء الله تعالى: الغفار والعفو والتواب، فإذا كان الإنسان متطهراً لا يذنب فعن من يعفو الله وعلى من يتوب الله ولمن يغفر الله، ولهذا جاء في الحديث الصحيح “والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا فتستغفروا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم” رواه مسلم عن أبي هريرة

ولهذا كانت الذنوب طبيعية من الإنسان، غير الطبيعي أن يستمرئ الإنسان المعاصي وأن يستمر في طريق الذنوب ولا يرجع إلى الله، هذا هو الخطر، الخطر الاستمرار في الخروج عن الله، الخطر في عدم اليقظة التي ترد الإنسان إلى الله بعد شروده، ولهذا كان هناك أشياء جعلها الله مطهرات، ومكفرات للذنوب التي تقع من الإنسان، أول هذه المطهرات : التوبة

والتوبة تغسل الإنسان من الذنب كما يغسل الماء الجسم من الوسخ، إذا صحت بأركانها وشروطها فمن تاب تاب الله عليه ( والتائب من الذنب كمن لا ذنب له)

ولذلك سئل بعض السلف: هل إذا تبت تاب الله عليّ؟ قال:

بل يا جاهل إذا تاب الله عليك تبت، أما قرأت قول الله تعالى (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ) أي أن توبة الله عليك أسبق من توبتك إليه، ومعنى توبة الله عليك أن يوفقك إلى التوبة، ما دام قد حركك لتتوب وتندم وترجع إليه فهذا دليل على أنه قد تاب عليك.

إن آدم أبا البشر أخطأ ونسي ولم يجد له الله عزما، ولكنه سرعان ما راجع نفسه، وعاد يقرع باب ربه، ويقول: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الأعراف:23

{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة:37.

التوبة هي الممحاة التي منحها الله للإنسان، ليستطيع أن يغسل بها ذنوبه، وأن يتطهر بها من ماضيه، وأن يتحرر من آثاره، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}النور:31

والله تعالى يقول في كتابه (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) فهم مذنبون ومسرفون على أنفسهم بمعاصي الله، لكنه يقول (قُلْ يَا عِبَادِيَ) أي لم يحرمهم من شرف العبودية لله والانتساب إلى الله، فكل الذنوب تمحى بالتوبة حتى الشرك (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ)، والإمام الحسن البصري لما قرأ في سورة البروج قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ) فهم شقوا الأخاديد ووضعوا فيها النار، وحرقوا فيها المؤمنين، والقرآن مع ذلك فتح لهم الباب ليتوبوا، ثم لم يتوبوا، فهل هناك أكثر من هذا؟ قال سبحان الله فعلوا مافعلوا ثم عرض عليهم التوبة .

فليس هناك ذنب يستعصي على التوبة، وعندنا في صحيح البخاري قصة الرجل قاتل التسعة وتسعين نفسًا، وعندما ذهب إلى أحد العباد قال له: اذهب أنت ليست لك توبة، فقال له: أنا ليس لي توبة سأكمل بك المائة، فاليأس يجعل الإنسان يفعل ما يشاء، وعندما ذهب إلى عالم لم يغلق في وجهه باب التوبة، وقال له انتقل فقط من قرية طالحة إلى قرية صالحة.

حقيقة التوبة ومعناها :

إن التوبة ليست كلامًا يقال باللسان، كما يظن بعض الناس، حين يقول: تبتُ إلى الله، ورجعتُ إلى الله، وندمتُ على معصية الله، وعزمتُ على طاعة الله …

لا … هذا ليس هو التوبة ؛ فالتوبة مزيج مُركَّب من عدة أشياء:

أولها: الندم على معصية الله :

كما سئل أنس أقال النبي صلى الله عليه وسلم (الندم توبة ؟ قال نعم ) رواه أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر

أن يغمر القلب شعور بالأسى والحسرة على ما فرط في جنب الله، شعور يشبه شعور الثلاثة الذين خُلِفوا، حين (ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا، إن الله هو التواب الرحيم) التوبة 118

ضاقت عليهم الدنيا بسعتها وضاقت عليهم أنفسهم (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) هذا هو شعور التائب وهذا معنى الندم .

الركن الثاني للتوبة العزم الصادق ألا يعود إلى الذنب :

العزم على الطاعة، وعلى ترك المعصية، لا بد من هذه العزيمة الأكيدة فيكون التائب ساعة التوبة قاطع العزم كحد السيف ، حتى وإن زل بعد ذلك قد يغلبه هواه ، قد يستجيب للشيطان ، المهم ساعة التوبة العزم الأكيد ألا يعود للذنب .

الركن الثالث للتوبة أن يقلع بالفعل عن الذنب :

لأن التوبة رجوع عن المعصية إلى الطاعة ، وعن السيئات إلى الحسنات ،رجوع عن طريق الشيطان إلى طريق الرحمن ، فلا بد من تغيير الطريق ، وتغيير صحبة السوء

كما قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) والتوبة النصوح معناها الخالصة من الغش ، ليست توبة الكذابين الذين يتوبون بألسنتهم وقلوبهم مصرة على المعصية .

ثم شيء آخر، وهو أن يعمل صالحًا بالفعل، مكان السيئات يبدِّلها حسنات وصالحات، يُغيِّر ما كان عليه … بدل قول الزور يتكلم الحق،إذا كان يغتاب المسلمين فليجعل من حسناته أن يدعو لهم ، وإن كان يؤذى الناس فليكن من حسناته تقديم النفع للناس ، بدل عمل السوء يعمل صالحًا، بدل بيئة السوء يُغيِّرها إلي بيئة حسنة، بيئة صالحة، تُساعده على فعل الخير …

لا بد من هذا … ومن هنا جعل القرآن بعد التوبة … الإيمان والعمل الصالح: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عملاصَالِحًا} الفرقان 70

لماذا جعل الإيمان والعمل الصالح بعد التوبة ؟

وقد قرن الله التوبة بالإيمان، لأن المعاصي -وخاصة الكبائر- تخدش الإيمان وتجرحه، فـ”لا يزنى الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن” متفق عليه.

فلا بد أن يُجدِّد إيمانه بالتوبة … وأن يعمل بعد ذلك صالحا.

فإذا استجمعت التوبة شرائطها فإن الله يقبلها كما قال تعالى ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) الشورى

معنى قوله تعالى ” فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما “

في معنى قوله ” يبدل الله سيئاتهم حسناتقولان :

أحدهما : أن حياتهم قد تغيرت ،وأعمالهم قد تبدلت فهم تحولوا من حياة المعصية إلى الطاعة ومن الأخلاق السيئة إلى الأخلاق الحسنة ، ومن الرياء إلى الإخلاص

وقال عطاء بن أبي رباح هذا في الدنيا يكون الرجل على صفة قبيحة ثم يبدله الله بها خيرا

وقال الحسن البصري أبدلهم الله بالعمل السيئ العمل الصالح وأبدلهم بالشرك إخلاصا وأبدلهم بالفجور إحصانا وبالكفر إسلاما

والقول الثاني : أن تلك السيئات الماضية تنقلب بالتوبة النصوح حسنات وما ذاك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار فيوم القيامة وإن وجده مكتوبا عليه فإنه لا يضره وينقلب حسنة في صحيفته كما ثبتت السنة بذلك وصحت به الآثار المروية عن السلف رضي الله عنهم فعن أبي ذر رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار وآخر أهل الجنة دخولا إلى الجنة ; يؤتى برجل فيقول نحّوا عنه كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها قال فيقال له عملت يوم كذا : كذا وكذا وعملت يوم كذا : كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئا فيقال : فإن لك بكل سيئة حسنة فيقول يا رب عملت أشياء لا أراها ههنا ” قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه )رواه مسلم

موانع التوبة :

ولكن … ما الذي يُعجز الناس عن التوبة؟ ما الذي يُؤخرهم أن يتوبوا؟ هذه مسألة لا بد أن نعرفها.

إن الذي يُؤخر الناس عن التوبة عدة أمور:

أولها: التسويف :

التسويف … طول الأمل … اعتقاد الإنسان أنه لا يزال له في العُمر مُتسع، وفي الحياة مدى بعيد.

فابن العشرين يظن أن أمامه مُتسع ومثله ابن الثلاثين وابن الأربعين …

كل إنسان عنده طول أمل … وهذا للأسف يُضيِّع على الناس فُرص التوبة، فمَن الذي يدري أيعيش اليوم أم لا يعيش؟

مَن الذي يدري إذا خرج من بيته أيعود إليه حيا أم يعود إليه ميتًا؟ أيعود إليه حاملاً أم يعود محمولاً؟

تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري           إذا جنَّ ليل هــل تعيش إلى الفجر؟

فكم من صحيح مات من غير عِلَّة          وكم من سقيم عـاش حينًا من الدهر

وكم من فتى يُمسي ويُصبح آمنًا           وقد نُسجت أكفانه وهو لا يــدري

الشيء الثاني: هو الاستهانة بالمعصية :

الاستهانة بالمعصية … الاستخفاف بها، استصغار المعصية … يظن أن هذا شيء بسيط، وهذا ليس من شأن المؤمن ، والقرآن يشير إلى هذا الأمر حينما تحدث بعض المسلمين عن حديث الإفك (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)النور

وجاء في الحديث: “المؤمن يري ذنبه كالجبل، يخاف أن يقع عليه، والمنافق يري ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال هكذا وهكذا” رواه البخاري عن ابن مسعود.

أي أطاره من على أنفه …

وهذا هو الذي جعل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يذهب إلى حذيفة ويستحلفه بالله هل ذكره له النبي من المنافقين أم لا؟

والعلماء يقولون : ما خشي النفاق إلا مؤمن ولا آمنه إلا منافق، فالمنافق آمن على نفسه، إنما المؤمن يخشى أن يكون داخلاً في المنافقين وهو لا يدري

ومرض بعض الصالحين، فدخل عليه مَن يعوده، فوجده يبكي بكاءً حارًا، فقيل له: يا أبا فلان … مالك تبكي؟ وأنت الذي فعلت وفعلت … ما رأينا عليك حُرمة انتهكتَها، ولا فريضة تركتَها … فقال: والله ما أبكي على ذلك، ولكن أبكي لأني أخاف أن أكون قد أتيت ذنبًا أحسبه هينًا وهو عند الله عظيم.

وقد قال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر من عصيت؟!!

المانع الثالث: الاتكال على عفو الله :

ثم هناك مانع نفسي آخرهو الاتكال على عفو الله، وهذه أمنية يبذُرها الشيطان في قلب بعض الناس: {يأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} الأعراف:169 هكذا كان يفعل اليهود … يأخذون متاع الحياة الدنيا ويقولون: سيغفر لنا، ينظرون إلى جانب العفو والمغفرة، ولا ينظرون إلى جانب البطش والعقاب، والله تعالى يقول: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} الحجر:49،50.

وكما قال الحسن البصري: كذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ، صحيح أن رحمته وسعت كل شيء، ولكن لمَن كتب هذه الرحمة؟ إنه يقول: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ} الأعراف: 156

ويقول: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف:56

فإذا نظر الإنسان إلى قوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}، فيكمل الآية {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} غافر:3.

أما المانع الرابع:الاحتجاج بالقدر:

وبعض الناس يقول: ربنا كتب عليّ هذا.

هذه حقيقة، فالله كتب مقادير كل شيء… لكن لا يجوز الاحتجاج بالقدر، فنحن نرضى بالقدر، ونؤمن به، لكن لا نجعله حجة لنا، وأهل الشرك هم الذين فعلوا ذلك، حيث قالوا (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا) الأنعام

فكيف عرفت أن ربنا كتب عليك هذا؟ وإن كنت عرفت هذا فيما مضى بحكم الوقوع، فكيف عرفت في القادم إن ربنا كتب لك الطاعة أو المعصية؟

فهذا شأن الإنسان المؤمن يتأدب بأدب العبودية، ولا ينسب المعصية إلى الله ـ عز وجل ـ وتحدث القرآن عمن يستغفرون (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) فهم اتهموا أنفسهم، ولم يقولوا إن ربنا هو الذي فعل بنا، لكنهم قالوا: نحن الذين قصرنا فجرى علينا ما جرى.

أيها الإخوة: ينبغي أن نُسارع بالتوبة … ينبغي أن نُبادر فنُراجع حسابنا مع الله عز وجل، ونصحح أخطاءنا، ونقف على باب ربنا مُستغفرين تائبين، نقول: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الأعراف:23

خير ما نخرج به من دنيانا توبة صادقة نصوح، نكفر بها سيئاتنا، ونغسل بها أوزارنا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} التحريم:8.

أسأل الله عز وجل، أن يتوب علينا، وأن يوفقنا إلى التوبة الصادقة النصوح.. إنه سميع قريب


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 8 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع