قال تعالى : ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى : يوم تختبر سرائر العباد , فيظهر منها يومئذ ما كان في الدنيا مستخفيا عن أعين العباد , من الفرائض التي كان الله ألزمه إياها , وكلفه العمل بها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى : ( أي يوم القيامة تبلى فيه السرائر أي تظهر وتبدو ويبقى السر علانية والمكنون مشهورا وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” يرفع لكل غادر لواء عند استه يقال هذه غدرة فلان بن فلان”
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : وقوله : {يوم تبلى السرائر} أي تختبر السرائر ، وهي القلوب ، فإن الحساب يوم القيامة على ما في القلوب ، والحساب في الدنيا على ما في الجوارح ، ولهذا عامل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنافقين معاملة المسلمين حيث كان يُستأذن في قتلهم فيقول : «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه» ، فكان لا يقتلهم وهو يعلم أن فلانًا منافق ، وفلانًا منافق ، لكن العمل في الدنيا على الظاهر ويوم القيامة على الباطن .
*وعن عطاء ابن أبي رباح , في قوله : { يوم تبلى السرائر } قال : ذلك الصوم والصلاة وغسل الجنابة , وهو السرائر ; ولو شاء أن يقول : قد صمت وليس بصائم , وقد صليت ولم يصل , وقد اغتسلت ولم يغتسل .
*وقال الحسن البصري رحمه الله: (والله ما سبقهم أبو بكر بصلاة ولا صوم ، وإنما سبقهم بما وقر في قلبه من الإيمان )
*وقال ابن رجب رحمه الله :”خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس”.
*وقال بعضهم : ( كم من معصية في الخفاء منعني منها قوله تعالى : ” ولمن خاف مقام ربه جنتان ” ) .
*وقال بعضهم : إن الحسرة كل الحسرة ، والمصيبة كل المصيبة : أن نجد راحتنا حين نعصي الله تعالى “
*وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه “التبيان في أقسام القرآن” عند قول الله تعالى :﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴾ : وفي التعبير عن الأعمال “بالسر” لطيفة : وهي أن الأعمال نتائج السرائر الباطنة ؛ فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحاً ، فتبدو سريرته على وجهه نوراً وإشراقاً وحياء ، ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعاً لسريرته ، لا اعتبار بصورته ، فتبدو سريرته على وجهه سواداً وظلمة وشيناً ، وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لا سريرته ، فيوم القيامة تبدو عليه سريرته ، ويكون الحكم والظهور لها ) [ التبيان ص110 ]
*وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( أنتم أطول صلاة، وأكثر اجتهادًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم كانوا أفضل منكم، قيل له: بأي شيء؟ قال: إنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة منكم ).
*وعن القاسم بن محمد قال: كنَّا نُسافر مع ابن المبارك، فكثيرًا ما كان يخطرُ ببالي فأقول في نفسي: بأيِّ شيءٍ فُضل هذا الرجل علينا، حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة، إن كان يصلي إنا لنصلي، ولئن كان يصوم إنا لنصوم، وإن كان يغزو فإنَّا لنغزو، وإن كان يحجَّ إنا لنحج.
قال : فكنَّا في بعض مسيرنا في طريق الشام، ليلة نتعشى في بيتٍ إذ طفئ السراج، فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يستصبح، فمكث هنيهةً ثم جاء بالسراج، فنظرتُ إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع، فقلت في نفسي: بهذه الخشية فُضل هذا الرجل علينا، ولعلهُ حين فقد السراج، فصار إلى الظلمة ذكر القيامة .
* وعن عثمان رضي الله عنه قال : ( ما أسرَّ أحدٌ سريرة إلاَّ أظهرها الله على صفحاتِ وجهه، وفلتات لسانه) .
* وعن نعيم بن حمـاد قال: سـمعت ابن المبـارك يـقول: ما رأيـتُ أحدًا ارتفع مثـل مالك، ليس لهُ كثيرُ صلاة ولا صيام، إلاَّ أن تكون له سريرة .
* وعن الحسن- رحمه الله تعالى- قال: ابن آدم، لك قولٌ وعمل، وعملك أولى بك من قولك، ولك سريرةٌ وعلانية، وسريرتك أولى بك من علانيتك .
* وعن عبد الله بن المبارك- رحمه الله تعالى- قال: قيل لحمدون بن أحمد، ما بال كلام السلف أنفعُ من كلامنا؟! قال: لأنَّهم تكلموا لعزِّ الإسلام، ونجاة النفوس، ورضا الرحمن، ونحن نتكلمُ لعز النفوس، وطلب الدنيا، ورضا الخلق.
* ويقول ابن القيم- رحمه الله تعالى- : ( فكل محبةٍ لغيره فهي عذابٌ على صاحبها، وحسرةٌ عليه، إلاَّ محبته، ومحبة ما يدعو إلى محبته، ويعين على طاعته ومرضاته، فهذه هي التي تبقى في القلب يوم تبلى السرائر).
وسئل الامام أحمد: بم ارتفع القوم؟ قال: بالصدق.
وقال ابن السمّاك:الحسنة نور في القلب وقوة في العمل، والسيئة ظلمة في القلب وضعف في العمل.
وقال بعضهم:إن للحسنة نورا في القلب وضياءا في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس.
قال ابن الجوزي ” والله لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت، ويخشع في نفسه ؛والقلوب تنوب عنه – أي تبتعد – وقدره في النفوس ليس بذاك ورأيت من يلبس فاخر الثياب، وليس له كبير نفل ولا تخشع ؛ والقلوب تتهافت على محبته !!
فتدبرت السبب :فوجدته السريرة ..فمن أصلح سريرته فاح عبير فضله ..وعبقت القلوب بنشر طيبه ..فالله الله بالسرائر فإنه لا ينفع بفسادها صلاح الظاهر”.