فقه الصلاة : 47- سنن وآداب يوم الجمعة
لماذا سمي يوم الجمعة بهذا الاسم ؟
الجمع من الجمع ، وسمي بهذا الاسم لاجتماع المسلمين للصلاة فيه كل أسبوع ، وهو اليوم الذي جُمع فيه الخلق وكمل، وهو اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين للحساب والجزاء .
فضل يوم الجمعة :
وردت عدة أحاديث تبين فضل يوم الجمعة منها :
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الصَّلوات الْخَمْسُ ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ) . رواه مسلم
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة : فيه خلق آدم عليه السلام ، وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة ) رواه مسلم
قال النووي : قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : الظَّاهِر أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِل الْمَعْدُودَة لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَته لأَنَّ إِخْرَاج آدَم وَقِيَام السَّاعَة لا يُعَدّ فَضِيلَة وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الأُمُور الْعِظَام وَمَا سَيَقَعُ , لِيَتَأَهَّب الْعَبْد فِيهِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَة لِنَيْلِ رَحْمَة اللَّه وَدَفْع نِقْمَته .
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه الأَحْوَذِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ : الْجَمِيع مِنْ الْفَضَائِل , وَخُرُوج آدَم مِنْ الْجَنَّة هُوَ سَبَب وُجُود الذُّرِّيَّة وَهَذَا النَّسْل الْعَظِيم وَوُجُود الرُّسُل وَالْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالأَوْلِيَاء , وَلَمْ يَخْرُج مِنْهَا طَرْدًا بَلْ لِقَضَاءِ أَوْطَار ثُمَّ يَعُود إِلَيْهَا . وَأَمَّا قِيَام السَّاعَة فَسَبَب لِتَعْجِيلِ جَزَاء الأَنْبِيَاء وَالصِّدِّيقِينَ وَالأَوْلِيَاء وَغَيْرهمْ , وَإِظْهَار كَرَامَتهمْ وَشَرَفهمْ , وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضِيلَة يَوْم الْجُمُعَة وَمَزِيَّته عَلَى سَائِر الأَيَّام اهـ .
3- وعن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا ، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِقِ ) . رواه مسلم
4 – أن الوفاة يوم الجمعة أو ليلتها من علامات حسن الخاتمة حيث يأمن المتوفى فيها من فتنة القبر، فعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : { ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر } رواه أحمد وصححه الألباني
سنن وآداب يوم الجمعة
1- صلاة الفجر جماعةً يوم الجمعة خير صلاة يصليها المسلم في أسبوعه :
عن ابن عمر قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة ) . رواه البيهقي في “شعب الإيمان” . وصححه الألباني في صحيح الجامع.
2- ومن خصائص صلاة الفجر في يوم الجمعة أنه يسن أن يقرأ المصلي فيها سورة السجدة في الركعة الأولى ، وسورة الإنسان في الثانية .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِـ ( الم تَنْزِيلُ ) فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ ( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) . رواه البخاري ومسلم
قال الحافظ ابن حجر : قِيلَ : إِنَّ الْحِكْمَة فِي هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ الإِشَارَة إِلَى مَا فِيهِمَا مِنْ ذِكْر خَلْق آدَم وَأَحْوَال يَوْم الْقِيَامَة , لأَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَسَيَقَعُ يَوْم الْجُمُعَة اهـ .
ويستحب للإمام ألا يداوم عليها حتى لا يعتقد وجوبها .
3- استحباب كثرة الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ويومها :
عن أوس بن أوس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام ، وَفِيهِ قُبِضَ ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ -أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ- قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود
قال ابن القيم : يستحب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وليلته لقوله . ( أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة ) ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره .
4- الدعاء فيه :
وقد اختلف في تحديد وقت هذه الساعة ، على أقوال كثيرة ، أصحها قولان .
الأول : أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة ، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ ) .
والقول الثانى : أنها بعد العصر ، وهذا أرجح القولين ، وهو قول عبد الله بن سلام ، وأبي هريرة ، والإمام أحمد ، وخلقٌ .
وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ ) [ في تحقيق المسند : حديث صحيح بشواهده ، وهذا إسناد ضعيف ]
وروى أبو داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً ، لَا يُوجَدُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ) [ صححه الألباني ] .
وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا ، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة ، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة . [ صحح الحافظ إسناده في الفتح 2/489] .
وفي سنن ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ قُلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ : ( إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا قَضَى لَهُ حَاجَتَهُ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَأَشَارَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ ، فَقُلْتُ : صَدَقْتَ ، أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ .
قُلْتُ : أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ ؟ قَالَ : هِيَ آخِرُ سَاعَاتِ النَّهَارِ . قُلْتُ : إِنَّهَا لَيْسَتْ سَاعَةَ صَلَاةٍ ؟! قَالَ : بَلَى ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ لَا يَحْبِسُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ ، فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ) صححه الألباني ….
وعلى القول بأنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة ، لا يعني ذلك أن المأموم ينشغل بالدعاء ويعرض عن سماع الخطبة ، بل يستمع للخطبة ، ويؤمن على دعاء إمامه فيها ، ويدعو في صلاته ، في سجوده ، وقبل سلامه .
ويكون بذلك قد أتى بالدعاء في هذه الساعة العظيمة ، وإن أضاف إلى ذلك الدعاء في آخر ساعة بعد العصر ، فهو أولى وأحسن .
5- استحباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلته :
ورد في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها :
أ. عن أبي سعيد الخدري قال : ” من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق ” . رواه الدارمي و صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع
ب. ” من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ” . رواه الحاكم وقال ابن حجر في ” تخريج الأذكار ” : حديث حسن ، وقال : وهو أقوى ما ورد في قراءة سورة الكهف ، وصححه الألباني في ” صحيح الجامع “
ج. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة ، وغفر له ما بين الجمعتين “. قال المنذري : رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره بإسناد لا بأس به .
ومعنى أضاء له من النور ما بين الجُمُعَتين “من مجموع هذه الروايات نرى أن الثواب على سورة الكهف سيكون نورًا، وهذا النور يوم القيامة، وطوله يقدَّر بالمسافة التي بين قدَمَيِ القارئ ومكة أو عنان السماء، والعنان هو السحاب ، أي أن التقدير إما بالامتداد الأفقي، وإما بالامتداد الرأسي.
وقد يكون المُراد عدم التحديد، بل الإشارة إلى طول المسافة التي يَغمرها النور، الذي ربما يكون هو المشار إليه بقوله تعالى :( يومَ ترى المؤمنين والمؤمنات يَسْعَى نورُهم بيْن أيديهم وبأيْمَانِهِم ) الحديد : 12
ولذلك من العلماء من قال : ومعنى إضاءة النور له فيما بينه وبين البيت العتيق المبالغة في ثواب تلاوتها بما تتعقله الأفهام وتتصوره العقول ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ نُورُ الْأَقْرَبِ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ بِقَدْرِ نُورِ الْأَبْعَدِ عَنْهُ لَوْ جُمِعَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَطِيلًا .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ فِي النُّورِ سِيَّانِ ، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ حُصُولِ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ بِحَيْثُ لَوْ جُسِّمَ لَكَانَ مِقْدَارُهُ مِنْ مَكَانِهِ إلَى الْبَيْتِ .
والثواب الثاني لقارئ الكهف يوم الجمعة هو مغفرة الذنوب التي وقعت بين الجمعتين، وهى الصغائر، ولعل هذا هو المراد بإضاءة النور ما بين الجمعتين، فنورُ الطاعة يمحو ظلام المعصية ( إن الحسنات يُذْهِبْن السيئات ) هود 114
فَالْمُرَادُ بِالنُّورِ لَازِمُهُ وَهُوَ الْمَغْفِرَةُ وَالثَّوَابُ
جواز قراءة السورة في ليلة الجمعة أو في يومها :
تقرأ السورة في ليلة الجمعة أو في يومها ، وتبدأ ليلة الجمعة من غروب شمس يوم الخميس ، وينتهي يوم الجمعة بغروب الشمس ، وعليه : فيكون وقت قراءتها من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة .
قال المناوي : قال الحافظ ابن حجر في ” أماليه ” : كذا وقع في روايات ” يوم الجمعة ” وفي روايات ” ليلة الجمعة ” ، ويجمع بأن المراد اليوم بليلته والليلة بيومها . ” فيض القدير ” ( 6 / 199 ) .
وقال المناوي أيضاً : فيندب قراءتها يوم الجمعة وكذا ليلتها كما نص عليه الشافعي رضي اللّه عنه . ” فيض القدير ” ( 6 / 198 ) .
ولم يصح حديث في قراءة غيرها من السور كالدخان وآل عمران وغيرها
6– الغسل والتجمل والسواك والتطيب يوم الجمعة :
يستحب لكل من أراد حضور صلاة الجمعة أو مجمع من مجامع الناس سواء كان رجلا أو امرأة ، أو كان كبيرا أو صغيرا ، أن يكون على أحسن حال من النظافة والزينة : فيغتسل ويلبس أحسن الثياب ويتطيب بالطيب ويتنظف بالسواك ، أما من لم يرد الحضور فلا يسن الغسل بالنسبة له ، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ، ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء ) قال النووي رواه البيهقي بهذا اللفظ بإسناد صحيح .
وقد جاء في ذلك :
أ – عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه ، وإن كان له طيب مس منه ) رواه أحمد والشيخان .
ب – وعن ابن سلام رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر يوم الجمعة : ( ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته ) (المهنة : الخدمة ) رواه أبو داود وابن ماجه .
ج – روى البيهقي عن جابر أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم برد يلبسه في العيدين والجمعة . وفي الحديث استحباب تخصيص يوم الجمعة بملبوس غير ملبوس سائر الأيام .
د- وعن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ). رواه مسلم.
قال النووي : قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى الْمَغْفِرَة لَهُ مَا بَيْن الْجُمُعَتَيْنِ وَثَلاثَة أَيَّام أَنَّ الْحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا , وَصَارَ يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي فَعَلَ فِيهِ هَذِهِ الأَفْعَال الْجَمِيلَة فِي مَعْنَى الْحَسَنَة الَّتِي تُجْعَل بِعَشْرِ أَمْثَالهَا , قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : وَالْمُرَاد بِمَا بَيْن الْجُمُعَتَيْنِ مِنْ صَلاة الْجُمُعَة وَخُطْبَتهَا إِلَى مِثْل الْوَقْت مِنْ الْجُمُعَة الثَّانِيَة حَتَّى تَكُون سَبْعَة أَيَّام بِلا زِيَادَة وَلا نُقْصَان وَيُضَمّ إِلَيْهَا ثَلاثَة فَتَصِير عَشْرَة اهـ .
هـ – وعن أوس بن أوس قال: قال رسول الله : { من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع، ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها .} قال الألباني صحيح ، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على مسند الإمام أحمد : إسناده صحيح
قوله – صلى الله عليه وسلم – ( غسل واغتسل ) : ” روي غَسَلَ بتخفيف السين , وَغَسَّلَ بتشديدها، روايتان مشهورتان وفسرت بعدة تفسيرات أشهرها اثنين :
أحدها: الجماع ويقال: غسل امرأته إذا جامعها.
والثاني: غسل رأسه ثم غسل باقي جسمه ؛ وإنما أفرد الرأس بالذكر؛ لأنهم كانوا يجعلون فيه الدهن ونحوه ، وكانوا يغسلونه أولاً ثم يغتسلون ويؤيده رواية لأبي داود في هذا الحديث من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم“وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ”: راح في الساعة الأولى و” ابتكر ” : أدرك باكورة الخطبة، وهي أولها.
وقيل : معناهما واحد كرره للتأكيد والمبالغة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم ” ومشى ولم يركب “ :نفي الركوب بالكلية ؛ لأنه لو اقتصر على ” مشى ” لاحتمل أن المراد وجود شيء من المشي ولو في بعض الطريق , فنفى ذلك الاحتمال , وبين أن المراد مشى جميع الطريق , ولم يركب في شيء منها .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم ” ودنا واستمع “ فهما شيئان مختلفان ، وقد يستمع ولا يدنو من الخطبة , وقد يدنو ولا يستمع فندب إليهما جميعاً ” .
وقوله صلى الله عليه وسلم ” ولم يلغ “ معناه ولم يتكلم لأن الكلام حال الخطبة لغو.
متى يبدأ وقت استحباب غسل الجمعة؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الغسل يبدأ من فجر يوم الجمعة ، واستدلوا بأن الأخبار علَّقته باليوم , كقوله صلى الله عليه وسلم : (من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى ) الحديث فلا يجزئ قبله .
وتقريبه من ذهابه إلى الجمعة أفضل ؛ لأنه أبلغ في المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة , ولو تعارض الغسل والتبكير فمراعاة الغسل أولى لأنه مختلف في وجوبه
7- استحباب التبكير إليها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ) رواه البخاري ومسلم
ما هو مقدار ” الساعة ” الواردة في الحديث ؟ وهل هي ستون دقيقة ؟
جاءت لفظة ” ساعة ” في كتاب الله تعالى ، وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي كلام الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم ، والأئمة من بعدهم ، وليس المراد بها قطعا الساعة بمعناها العرفي الحديث ، وهي ” ستون دقيقة ” ؛ لأن الساعة بهذا المقدار لم تكن تُعرف في زمانهم ، والساعة في وضعها الحالي لم تكن مصنوعة أصلاً ، فلا اليوم كان مقسَّماً على أربع وعشرين ساعة ، ولا الساعة كانت محسوبة بالدقائق ، بل إن معنى ” الساعة ” في أكثر استعمالاتها هي بمعنى ” الجزء من النهار ” ، أو ” الجزء من الليل ” ، وقد تطول أو تقصر ، بحسب السياق والمراد في استعمالها ، كما أنها تطلق تلك اللفظة على ” القيامة ” ، وقد جمع المعنيان في سياق واحد ، وذلك في قوله تعالى ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ) الروم/ 55 ، فلفظة ” الساعة ” الأولى بمعنى : ” القيامة ” ، والآخر بمعنى : ” الجزء من الزمان ” .
وتطلق – أيضاً – ويراد بها : ” الوقت الحاضر ” .
وبناء على ذلك يتبين أن ” الساعة ” المقصودة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة الجمعة ، وما يشبهه : أن المراد بها : جزء من الوقت ، وقد يقصر ذلك الجزء ، أو يطول ، ويُعرف ذلك من خلال سياق الحديث ، فساعة الاستجابة يوم الجمعة قصيرة الزمن ، ووقت ساعة الاستجابة كل ليلة أطول منه .
والأحاديث بنصوصها ، وفهمها يدلان على ذلك :
أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ : ( فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا) رواه البخاري ومسلم
( بيده يقللها ) أي : يبين أنها لحظة ، لطيفة ، خفيفة
ب. عَنْ جَابِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ) .رواه مسلم
وهكذا يُعرف قصر الزمان وطوله في معنى لفظ ” الساعة ” ، ففي آية سورة ” الروم ” يدل معناها على سنوات ! ، وفي بعض الأحاديث والآثار تدل على زمان يسير جدّاً ، نحو : ” فسكت ساعة ” ، و ” فأطرق ساعة ” ، و ” فلبث ساعة ” ، وما يشبه ذلك من السياقات .
وورد تقسيم النهار إلى اثنتي عشرة ساعة ، في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ – يُرِيدُ : سَاعَةً – لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلَّا أَتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ) صححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله – :وظاهر الحديث : يدل على تقسيم نهار الجمعة إلى اثنتي عشرة ساعةً ، مع طول النهار ، وقصره ، فلا يكون المراد به الساعات المعروفة من تقسيم الليل والنهار إلى أربعة وعشرين ساعة ؛ فإن ذَلِكَ يختلف باختلاف طول النهار ، وقصره .” فتح الباري ” لابن رجب ( 5 / 356 ) .
وأما بخصوص حديث الذهاب إلى الجمعة في الساعة الأولى ، والثانية ، إلى الخامسة ، وأجر كل واحدة منها : فيقسَّم الزمان من طلوع الشمس إلى الزوال خمسة أجزاء ، ويكون كل جزء هو المراد بالساعة ، وقد تطول مدتها عن الستين دقيقة ، وقد تقصر ، بحسب طول النهار ، وقصره ، كما سبق توضيحه .
وذهب مالك إلى أنها أجزاء ساعة واحدة قبل الزوال وبعده ، وقال قوم هي أجزاء ساعة قبل الزوال . وقال ابن رشد : وهو الأظهر لوجوب السعي بعد الزوال .