السنن المهجورة (5) سنة الدعاء بعد التشهد

تاريخ الإضافة 4 مايو, 2022 الزيارات : 851

السنن المهجورة (5) سنة الدعاء بعد التشهد

يستحب الدعاء بعد التشهد وقبل السلام بما شاء من خيري الدنيا والآخرة .

فعن عبد الله بن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، علمهم التشهد ثم قال في آخره : ( ثم لتختر من المسألة ما تشاء ) رواه مسلم .

والدعاء مستحب مطلقا ، سواء كان مأثورا أو غير مأثور إلا أن الدعاء بالمأثور أفضل .

ونحن نورد بعض ما ورد في ذلك .

1 – عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع ، يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال ) رواه مسلم .

قوله : (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر) أي: ألتجئ وأعتصم من عذاب النار ومن عذاب القبر، وعذاب النَّار أعمُّ من عذاب القبر؛ لأنَّ عذابَ النار يكون في القبر، حيث يرى منزله من النار، ويُفتح له نافذة إلى النَّار، ويناله من حرِّها، ومن سمومها، إلى آخره.

 (فتنة المحيا والممات) : وهي : شهوات الدنيا وشبهاتها،وفسَّرها بعضُ أهل العلم بالابتلاء الذي يقع للإنسان مع زوال الصَّبر

وفتنة الممات ما يكون عند الموت من سوء الخاتمة والعياذ بالله، وفتنة سؤال الملكين، وكذلك أيضًا عذاب القبر.

ثم قال: (ومن شر فتنة المسيح الدجال )  يعني: ابتلاء المسيح الدَّجال وامتحانه، فإنَّ ذلك يكون فتنةً واقعةً عظيمةً لمن أدركها؛ ولهذا فإنَّ الله لم يبعث نبيًّا إلا حذَّر أُمَّته الدَّجال كما أخبر النبي ﷺ؛ وذلك لعظم فتنته، وشدّة خطرها.

لماذا سُمِّي بالمسيح؟ قيل له ذلك لأنَّ إحدى عينيه ممسوحة؛

2 – وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة : ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات : اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم متفق عليه .

المأثم : الإثم ، والمغرم : الدين .

3 – وعن علي رضي الله عنه قال ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة ، يكون آخر ما يقول بين التشهد والتسليم : ( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر : لا إله إلا أنت ) رواه مسلم

“اللهم اغفر لي ما قدمت”، من سيئة.

“وما أخرت”، من عمل، أي: جميع ما فرط مني.

“وما أسررت” أي: أخفيت.

“وما أعلنت، وما أسرفت”، أي: جاوزت الحد، مبالغة في طلب الغفران بذكر أنواع العصيان.

“وما أنت أعلم به مني”، أي: من ذنوبي التي لا أعلمها عدداً وحكماً.

“أنت المقدم”، أي: بعض العباد إليك بتوفيق الطاعات، “وأنت المؤخر”، أي: لبعضهم بالخذلان عن النصرة أو أنت المقدم لمن شئت في مراتب الكمال، وأنت المؤخر لمن شئت عن معالي الأمور إلى سفسافها، “لا إله إلا أنت” فلا معبود بحق غيرك.

 4 – وعن عبد الله بن عمرو : ( أن أبا بكر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم . علمني دعاء أدعو به في صلاتي ؟ قال : قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) متفق عليه .

قوله : (اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ) الظلم: وضع الشيء في غير محلّه، وهو على مراتب: أعلاها الشرك، ويندرج تحته الذنوب الكبيرة والصغيرة، وهذا اعتراف من العبد إلى ربه بالتقصير بملابسته ما يستوجب العقوبة أو النقص، وإن الإنسان لا يعرى عن التقصير ولو كان صدّيقاً.

وهذا تعليم للداعي أنه ينبغي حالة دعائه أن يظهر غاية التذلّل والخضوع لربه؛ فإن ذلك أقرب للإجابة، وأكثر ثواباً وجزاء.

وفيه دليل على أن الواجب على العبد أن يكون على حذر من ربه تعالى في كل أحواله، وإن كان من أهل الاجتهاد في العبادة في أقصى غاية، إذ كان الصدِّيق مع موضعه في الدِّين لم يسلم مما يحتاج إلى الاستغفار إلى ربه تعالى منه فمن باب أولى من كان دونه.

قوله: (ولا يغفر الذنوب إلا أنت): أي لا أحد يقدر على ستر الذنوب، والتجاوز عنها إلا أنت وحدك، ففيه الإقرار بالوحدانية للَّه تعالى، واستجلاب المغفرة منه.

فاغفر لي: الغفر: الستر والتغطية، مأخوذة من المغفر، وهو الذي يوضع على رأس المحارب لحمايته من الضرب، فهو وقاية وحماية.

دلّ تنكير (مغفرة) على أن المطلوب غفران عظيم، لا يُدرك كنهه، ووصفه بكونه من عنده  سبحانه وتعالى بيان لذلك العظم؛ لأن الذي يكون من عند اللَّه تعالى لا يحيط به وصف، وفيه إشارة إلى طلب مغفرة متفضّل بها لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره.

والمعنى: هبْ لي مغفرة تفضلاً، وإن لم أكن لها أهلاً بعملي؛ لهذا أضافها إليه ((من عندك)) فإنها تكون أعظم وأبلغ، فإن عظم العطاء من عظم المُعطي.

وقدّم (ظلمت نفسي): وهو الاعتراف بالتقصير والذنب على سؤال المغفرة، فاغفر لي أدباً جميلاً، كما قال ذلك أبوانا: آدم وحواء: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، ولا يخفى حسن ترتيب هذا الحديث، حيث قدّم الاعتراف بالذنب، ثم الوحدانية، ثم سؤال المغفرة؛ فإن الاعتراف بذلك أقرب إلى العفو والثناء على السيد بما هو أهله، وأرجى لقبول سؤاله.

(إنك أنت الغفور الرحيم ) الغفور: اسم من أسماء اللَّه الحسنى العظيمة، وهو من أبنية المبالغة؛ لأنه يفعل ذلك بعباده مرة بعد مرة إلى ما لا يُحصى، والمعنى: الذي يكثر منه ستر الذنوب لعباده المؤمنين، والتجاوز عنها.

الرحيم: اسم من أسماء اللَّه الحسنى الكريمة الدالة على كثرة الرحمة، والتعطف على عباده المؤمنين.

 إنك أنت مشعر بالتعليل، أي اغفر لي، وارحمني لأن من دعاك يا ربنا، ولجأ إليك، وسألك المغفرة والرحمة، تغفر له وترحمه؛ لأنك كثير المغفرة، وكثير الرحمة بنا يا ربنا

وفي تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر هذا الدعاء إشارة إلى إيثار أمر الآخرة على أمر الدنيا الزائلة، وخصّ الدعاء بالصلاة؛ لأنها بالإجابة أحقّ، فهي محلّ المناجاة بين العبد وخالقه، ولا يخفى اختيار الحبيب للحبيب في مناجاة السميع القريب له دلالة على عظم شأن هذا الدعاء، فيجدر بنا العناية به استناناً واقتداءً بالحبيب  صلى الله عليه وسلم .

5 – وعن حنظلة بن علي : أن محجن بن الادرع حدثه قال : ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد ويقول : اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم ، فقال النبي صلى الله عه وسلم . ( قد غفر ) ثلاثا . رواه أحمد وأبو داود . ( قد قضى صلاته ) : قارب أن ينتهي منها .

هذا الدعاء العظيم فيه توسّل إلى اللَّه عز وجل بأجمل الوسائل، وأعلاها، وهو التوسّل بأسماء اللَّه الحسنى، وبصفاته العظمى العلا مقدمة قبل سؤال اللَّه تعالى المغفرة للذنوب, والتجاوز عنها، ثم أكّد سؤاله وعلّله: بأنك يا ربي عظيم المغفرة للذنوب، مهما تكررت وبلغت، عظيم الرحمة التي وسعت كل شيء, فناسب في ختم هذين الاسمين، السؤال والطلب.

قوله: (اللَّهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت اللَّه): أي أسألك يا اللَّه بأني أقر وأشهد أنك أنت المعبود بحق، لا أحد سواك.

الواحد: هو الذي توحّد بجميع الكمالات، بحيث لا يشاركه فيها مشارك.

الأحد: الكامل في أحديته، فلا شبيه له، ولا نظير.

الصمد: المقصود في الحوائج، وهو الذي انتهى سؤدده .

قوله: (الذي لم يلد ولم يولد): الذي ليس له ولد، ولا والد، ولا صاحبة, وهذا النفي متضمن لكمال غناه، وعدم حاجته جل وعلا لأحد من خلقه.

قوله: (ولم يكن له كفواً أحد): أي ليس لك مماثل، ولا شبيه، ولا نظير في ذاتك، ولا في صفاتك، ولا في أفعالك بوجه من الوجوه, وهذا النفي متضمّن لكماله تعالى من كل الوجوه في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله عز وجل

قوله صلى الله عليه وسلم (لقد سألت اللَّه باسمه الأعظم): فيه دلالة أن للَّه اسماً أعظم، إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى .

6 –  وعن أنس قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل قائم يصلي ، فلما ركع وتشهد قال في دعائه : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان ، بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( أتدرون بم دعا ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ( والذي نفس محمد بيده لقد دعا الله باسمه العظيم ، الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى ) رواه النسائي .

بدأ بمقدمة من الثناء على اللَّه تعالى، واستحقاقه الحمد بكل أنواعه، وإثبات وحدانيته وألوهيته بالعبادة دون غيره, ثم ذكر جملاً من أسمائه الحسنى، مقدمة بين يدي دعائه, فجمع بين التوسل بالعمل الصالح للَّه تعالى، توسّلاً بما له من الكمالات التي لا تُحصى, رجاء عظيماً في قبول دعوته؛ لما شملته من أسمى مطلب في الدنيا والآخرة, وهو مغفرة الذنوب, واستعاذة من أعظم مرهوب، وهو النار.

المنان: اسم من أسماء اللَّه تعالى الحسنى, أي كثير العطاء، من المنَّة بمعنى النعمة، أو النعمة الثقيلة, أي صاحب النعم المتتالية دون طلب عوض, وغرض.

بديع السموات والأرض: أي مبدعهما بمعنى مخترعهما ومنشئهما على غير مثال سابق.

ذا الجلال والإكرام: ذو الجلال: صاحب العظمة والكمال والإكرام: هو سعة الفضل، والجود بما ليس له حدود.

الحي: اسم من أسمائه تعالى، وهو الذي له الحياة الدائمة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات.

القيوم: اسم من أسمائه تعالى: و هو القائم بنفسه، فلم يحتج إلى أحد، والمقيم لغيره بالتدبير والإصلاح, وكل صفات الفعل ترجع إلى هذا الاسم الجليل.

(إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار): بعد ثنائه على اللَّه تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا، شرع في سؤال أعظم مطلب، وهو الجنة، واستعاذ من أشد مرهب، وهو النار والعياذ باللَّه.

قوله صلى الله عليه وسلم (لقد دعا اللَّه تعالى باسمه الأعظم): والاسم الأعظم من ثمرات الدعاء به أنه يفيد أصل التعجيل، أو زيادته، وكمالاً في المستجاب، أو في بدل المدعو به، فهو لا شك له أكبر الأثر في قبول وإجابة الدعاء، فحريٌ الاعتناء به أشد العناية، حتى يتكرّم ربنا بإعطائنا ما نرجوه في العاجل والآجل.

7- وعن أبي صالح عن رجل من الصحابة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل : ( كيف تقول في الصلاة ؟ ) قال : أتشهد ، ثم أقول . اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار ، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( حولها ندندن ) رواه أحمد وأبو داود . الدندنة : الكلام الغير المفهوم .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 353 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم