من كلام السلف عن قيام الليل
يقال: إن سفيان الثوري رحمه الله شبع ليلة فقال: إن الحمار إذا زيد في علفه زيد في عمله فقام تلك الليلة حتى أصبح.
وكان طاووس رحمه الله إذا اضطجع على فراشه يتقلى عليه كما تتقلى الحبة على المقلاة ثم يثب ويصلي إلى الصباح ثم يقول: طير ذكر جهنم نوم العابدين.
قيل للحسن البصري : ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
وكان عبد العزيز بن رواد إذا جن عليه الليل يأتي فراشه فيمد يده عليه ويقول: إنك للين ووالله إن في الجنة لألين منك فلا يزال يصلي الليل كله.
وقال الحسن: إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل.
وقال الفضيل: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم .
وكان صلة بن أشيم رحمه الله يصلي الليل كله فإذا كان في السحر قال: إلهي ليس مثلي يطلب الجنة ولكن أجرني برحمتك من النار.
وقال رجل لبعض الحكماء: إني لأضعف عن قيام الليل فقال له ” يا أخي لا تعص الله تعالى تقم بالليل.
وكان للحسن بن صالح جارية فباعها من قوم فلما كان في جوف الليل قامت الجارية فقالت يا أهل الدار الصلاة الصلاة! فقالوا: أصبحنا أطلع الفجر فقالت: وما تصلون إلا المكتوبة قالوا: نعم فرجعت إلى الحسن فقالت: يا مولاي بعتني من قوم لا يصلون إلا المكتوبة ردني.
ويقال: إن مالك بن دينار رضي الله عنه بات يردد هذه الآية ليلة حتى أصبح ” أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ” الآية: وقال المغيرة بن حبيب رمقت مالك بن دينار فتوضأ بعد العشاء ثم قام إلى مصلاه فقبض على لحيته فخنقته العبرة فجعل يقول حرم شيبة مالك على النار إلهي قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار فأي الرجلين مالك وأي الدارين دار مالك فلم يزل ذلك قوله حتى طلع الفجر.
وقال مالك بن دينار: سهوت ليلة عن وردي ونمت فإذا أنا في المنام بجارية كأحسن ما يكون وفي يدها رقعة فقالت لي: أتحسن تقرأ فقلت: نعم فدفعت إلي الرقعة فإذا فيها:
أألهتك اللذائذ والأماني عن البيض الأوانس في الجنان
تنبه من منامك إن خيراً من النوم التهجد بالقران
ويروى عن أزهر بن مغيث وكان من القوامين أنه قال: رأيت في المنام امرأة لا تشبه نساء أهل الدنيا فقلت لها: من أنت قالت: حوراء فقلت: زوجيني نفسك فقالت اخطبني إلى سيدي وأمهرني فقلت: وما مهرك قالت: طول التهجد.
قال رجل للحسن: يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم فقال: ذنوبك قيدتك.
وقال الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته قيل وما ذاك الذنب قال: رأيت رجلاً يبكي فقلت في نفسي هذا مراء
ولذلك قال بعضهم: كم من أكلة منعت قيام ليلة وكم من نظرة منعت قراءة سورة وإن العبد ليأكل أكلة أو يفعل فعلة فيحرم بها قيام سنة.
وكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فكذلك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات.
وقال ابن المنكدر: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث قيام الليل ولقاء الإخوان والصلاة في الجماعة.
وقال يحيى بن معاذ: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بتفكر، وخلاء البطن، وقيام اللّيل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين .
وقال أيضا : الليل طويل فلا تقصره بمنامك، والنهار نقي فلا تدنسه بآثامك.
وقال سعيد بن المسيب -رحمه الله-: إنّ الرجل ليُصلّي باللّيل، فيجعل الله في وجهه نوراً يحبه عليه كل مسلم، فيراه من لم يره قط، فيقول: إنّي لأحب هذا الرجل .
قال صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل” -أي المقصود في التطوُّعات- ما هو السبب أنَّ صلاة الليل أفضل من صلاة النهار؟
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى- لثلاثة أمور:
أولاً: لأنَّ فيها الإسرار فهي أقرب إلى الإخلاص.
ثانيًا: ولأنَّ صلاة الليل فيها مشقَّة على النفوس.
ثالثًا: قال: لأنَّ صلاة الليل القراءة فيها أقرب إلى التدبُّر والتفكُّر والخشوع.
عن أبي عصمة البيهقي قال: بت ليلة عند أحمد بن حنبل فجاء بالماء فوضعه عندي، فلما أصبح نظر في الماء، فإذا هو كما كان على حاله لم يُتوضأ منه، فقال أحمد: سبحان الله! رجل يطلب العلم ولا يكون له ورد بالليل؟!
قال المروزي: كنت مع الإمام أحمد بن حنبل نحوا من أربعة أشهر بالعسكر، فكان لا يدع قيام الليل وقراءة النهار، وما علمت بختمة للقرآن ختمها لأنه كان يسر ذلك.