تفسير سورة الكهف
5- ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ….. ﴾
تفسير الآيات من[ 27- 31]
تفسير قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا* وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا* وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا* أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا*﴾ [الكهف: 27-31]
تفسير قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا٢٧﴾ [الكهف: 27]
(وَاتْلُ): مأخوذ من التلاوة بمعنى القراءة .
“لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ “ أَيْ لَا مُغَيِّرَ لَهَا وَلَا محرّف ولا مزيل.
” وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً “ مَلْجَأً ، أي أحداً تميل إليه أو تلجأ إليه لأن الالتحاد من اللحد وهو الميل، يعني لو أرادك أحد بسوء ما وجدت أحداً يمنعك دون الله .
والمعنى: وَدَاوِمْ أيها الرَسول على تلاوة ما أوحى إليك من القرآن ليهتدي به الراشدون، فقد اشتمل على بيان الغيب الذي لا سبيل لك إلى معرفته، وتضمن من الآيات والمعجزات ما لا سبيل للبشر إِلى الإتيان بمثله، ولا يستطيع أَحد أن يبدل كلمات الله تعالى التي أنزلها عليك وتولى حفظها بنفسه، ولن تجد من دونه ملجأ تلوذ به عند الملمات، فاعتمد عليه في تبليغ رسالة ربك ومعونته إياك بالنصر والتأييد.
تفسير قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]
سبب النزول :
نَزَلَتْ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ حِينَ طَلَبُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُمْ، وَحْدَهُ، وَلَا يُجَالِسَهُمْ بِضُعَفَاءِ أَصْحَابِهِ، كَبِلَالٍ وَعَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ وَخَبَّابٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلْيُفْرِدْ أُولَئِكَ بِمَجْلِسٍ عَلَى حِدَةٍ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: “وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ الْآيَةَ…..” وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَبِّرَ نَفْسَهُ فِي الْجُلُوسِ مَعَ هَؤُلَاءِ، فَقَالَ “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ” [الأنعام: 52]
وعن سعد ابن أبي وقاص قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال، ورجلان نسيت اسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ” أخرجه مسلم
“بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ”: الغداة أَول النهار والعشي آخره، وقد تطلق العشي على الوقت من غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء، والمراد من عبادتهم ربهم بالغداة والعشي أنهم يعبدونه دائمًا.
(يُرِيدُونَ وَجْهَهُ): أَي يقصدون بعبادتهم ذات الله مخلصين دون رياء.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه، إلا ناداهم مناد من السماء: أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات» رواه أحمد وقال الألباني صحيح لغيره
(ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ): أي لا تجاوزهم عيناك إِلى غيرهم .
(فُرطاً): أي منفرطاً عليه، ضائعاً، تمضي الأيام والليالي ولا ينتفع بشيء .
(ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) لأنه لا يأمرك بالانصراف عن هؤلاء والالتفات إلى أهل الدنيا إلا من غفل عن ذكر الله، أما من اطمأن قلبه إلى ذكرنا وذاق حلاوة الإيمان فإنه لا يأمر بمثل هذا الأمر.
(واتبع هواه) أي : أن هذا الذي يحرضك على فقراء المؤمنين ما غفل قلبه عن ذكرنا إلا لأنه سار خلف هواه، فأخذه هواه وألهاه عن ذكر الله، فمادام قد انشغل بشيء يوافق هواه فلن يهتم بمطلوب الله، لإنه مشغول بمطلوب نفسه .
(وكان أمره فرطاً ) أي : كان أمره ضياعاً وهباءً، فكأنه أضاع نفسه.
والمعنى: واصبر نفسك وثَبِّتْها مع أولئك الفقراء المخلصين الذين يعبدون ربهم في كل وقت تَتَيَسَّرُ لهم العبادة فيه ، يريدون بتلك العبادة ذاته ورضاه، دون رياء للناس ورغبة في ثنائهم.
ولا تجاوزهم عيناك يا محمد ، فتبعدهم عن مجلسك استهانة بهم – كما اقترح عليك رؤَساءُ قريش ليجالسوك ويستمعوا إليك – لا تفعل ذلك – تريد بتركهم وإِغفالهم زينة الحياة الدنيا، بأن يكون جلساؤُك من الأشراف، ولا تطع في تنحيتهم عن مجلسك، مَنْ جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا ومعرفتنا، بسبب انصرافه عن الحق وبعده عن الهدى، واتباعه لهواه، وكان أمره ضَياعًا وهلاكا، حيث ترك الإيمان، وتعلل بأسباب واهية، فمثل هذا لا وزن له عندنا، والوزن كل الوزن لأهل الحق الثابتين عليه وإِن كانوا فقراء، فدع هؤُلاء، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات.
تفسير قوله تعالى:﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: 29]
(وقل الحق من ربكم) أي : قل الحق جاء من ربكم، واختار كلمة الرب ولم يقل من الله، لأن الكل معتقد أن الرب هو الذي خلق، كما في قوله تعالى :﴿ ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ) [سورة الزخرف :87]
وليس المقصود من الآية التخيير، وإنما السياق سياق تهديد ووعيد، والدليل على أنه سياق تهديد ووعيد: أن الله قال بعدها: “إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا” فهذه قرينة على أن المقصود ليس التخيير فيما سبق، وإنما هذا سياق تهديد ووعيد، كما أن من المراد من التهديد والوعيد إظهار استغناء الله ورسوله عن نصرة أهل الإشراك، فالدين حق آمنتم أو لم تؤمنوا، نصرتم أو لم تنصروا، دخلتم فيه أو حدتم عنه، المعنى: لا يضر الله جل وعلا ذلك شيئاً.
) إنا أعتدنا (أي: أعددنا، فالمسألة منتهية مسبقاً، فالجنة والنار مخلوقة فعلاً ومعدة ومجهزة، لا أنها ستعد في المستقبل، وقد أعد الله الجنة لتتسع لكل الخلق إن آمنوا، وأعد النار لتتسع لكل الخلق إن كفروا، فإن آمن بعض الخلق وكفر البعض، فالذي آمن ورث الكافر مكانه في النار، والذي كفر ورث المؤمن مكانه في الجنة، لذلك قال تعالى: ﴿ وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ﴾ [ الزخرف: 72]
وقوله تعالى :﴿ للظالمين) الظلم أن تأخذ حقاً وتعطيه للغير، وللظلم أشكال كثيرة، أعظمها الإشراك بالله، لأنك تأخذ حق الله في العبادة وتعطيه لغيره، فيأخذ كل ظالم من العذاب على قدر ظلمه، إلا أن يكون مشركاً؛ فهذا عذابه دائم ومستمر لا ينقطع
(إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها (والعذاب هنا لمن اختار الكفر، لكن لماذا تهول الآية وتفخم أمر العذاب ؟ لأن الإعلام بالعقاب وتهويله للإنذار به لا ليقع الناس في موجبات العقاب، بل لينتهوا عن الكفر، وينأوا عن أسبابه، فيكون ذلك من باب الرحمة من الله بالعباد ؛ لأن خوف العذاب سيمنعهم من الكفر.
(سُرَادِقُهَا): السرادق معروف كالفسطاط: هو ما يحيط بالشيء، وهو هنا مستعمل في لهب جهنم على سبيل المجاز، فكأن الله تعالى ضرب سرادقاً على النار يحيط بهم ويحجزهم، بحيث لا تمتد أعينهم إلى مكان خال من النار؛ لأن رؤيته لمكان خال من النار قد توحي إليه بالأمل في الخروج، فالحق سبحانه يبين أنهم لن يخرجوا منها.
( وإن يستغيثوا )الاستغاثة : صرخة ألم من متألم لمن يدفع عنه ذلك الألم، فأهل النار حين يستغيثون من ألم العذاب ( يغاثوا ) يتبادر إلى الذهن أنهم يغاثون بشيء من رحمة الله، كلا إنما ( يغاثوا بماء كالمهل.. )، وقوله تعالى هنا : ( يغاثوا )أسلوب تهكمي ، والمهل هو عكارة الزيت المغلي الذي يسمونه الدردي، وهكذا يزدادون حرارة فوق حرارة النار، ويعذبون من حيث ينتظرون الرحمة؛ فهذا الماء دعوا به ليذهبوا حر عطشهم، فما إن قرب منهم لشدة حرارته التي هي كالمهل أي: كعكر الزيت، ما إن يدنوه من أفواههم حتى تتساقط فروة وجوههم –أعاذنا الله من عذابه – فهذا قبل أن يطعموه، فكيف بعد ما طعموه ؟!!
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ” كالمهل ” (كعَكَرِ الزيت، فإذا قربَ إِليه سقطت فروة وجهه فيه). أخرجه الإمام أحمد والترمذي
( بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ) وهذا أسلوب ذم عند العرب، (مُرْتَفَقًا) متَّكأً، والارتفاق في الأصل الاتكاءُ على مرفق اليد، يقال بات فلان مرتفقا، أَي متكئًا على مرفق يده ، والمرفق إنما يتكئ الإنسان عليه إذا شعر بالإعياء، وليس في النار راحة، وإنما المقصود: أسلوب تهكم بهم، فليس الخطاب على حقيقته.
والمعنى : وقل أيها الرسول لهؤُلاء المشركين هذا القرآن الذي أدعوكم إلى الإيمان به هو الحق من ربكم لا ريب فيه، ولست عليكم بجبار، فمن أَراد الإيمان به حق اعتقاد راسخ، دون اشتراط إِبعاد الفقراء فليؤْمن، وله ثوابه، ومن أراد الكفر به عن هوى وحقد وعنادٍ فليكفر وعليه عقابه.
وقوله (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا):هذه الجملة تعليل للأمر السابق، أَي قل لهم أيها الرسول: ما أَمرناك به من دعوتهم إِلى الإيمان بما أَنت عليه من الحق وتخييرهم بين الإيمان والكفر به على سبيل، الوعيد، لأنا هيأنا لهؤلاء الظالمين المعاندين المستكبرين إن استمروا على كفرهم نارًا هائلة أَحاط بهم لهبها الذي يشبه السرادق في إحاطته بهم.
وإن يستغيثوا من شدة العطش ولهيب الأجواف يغاثوا بماء كعكر الزيت، شديد الحرارة بحيث إذا قرب من أَفواههم يشوي وجوههم وينضجها، فما ظنك بأجوافهم؟
بئس الشراب هذا الماءُ الذي يشبه المهل، وساءت النار منزلا ومقرًّا.
ولما ذكر الله الأشرار أتبعه جل ذكره بذكر الأخيار فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا* أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: 30-31]
عدن في المكان بمعنى: أقام فيه وخلد، ولهذا سميت جنات عدن بذلك؛ لأنها دار خلود وإقامة.
“تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ “ أنهار من لبن، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من غسل مصفى، وأنهار من ماء غير آسن، والقرآن يوضح بعضه بعضاً.
“يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ “وجاء في بعض الآيات أنها أساور من فضة، وجاء في بعض الآيات أنها أساور من لؤلؤ، ويجمع بينها: أنهم يحلون بأساور من ذهب، وأساور من فضة، وأساور من لؤلؤ.
“وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ” السندس: رقيق الحرير، والاستبرق: غليظ الحرير، وجمع الله جل وعلا لهم النعمتين، وعندما أهديت له صلى الله عليه وسلم قطعة من حرير فلمسها الصحابة وتحلقوا حولها قال: (أتعجبون من رقتها؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذه)
والسندس رقاق الألبسة، وما يلبس عادة قمصاناً وما إليه من الألبسة الداخلية، فهي الألبسة الشفافة، وهي من حرير منسوج بالذهب واللؤلؤ وما إلى ذلك مما لا يخدش ولا يؤذي البدن.
أما الإستبرق فهي الأثواب الخارجية من الحرير ذي الذهب وذي الفضة، وذي اللآلئ على أشكال وألوان.
يقول ابن عباس رضي الله عنه : كل ما ورد في الجنة من نعيم مأكول أو ملبوس أو مشروب أو منظور ليس من الدنيا فيه إلا الأسماء، وأما الذي في الآخرة فالله أعلم بشكله.
والمقصود: جملة ما أعطاه الله جل وعلا من نعيم لأهل الجنة، وكون الثياب خضراً، هذا الذي كان لباس الملوك في الجاهلية.
“مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ” والأرائك: جمع أريكة، وهي السرير التي عليه الحجلة( الستائر أو الناموسية) فوقه قبة ، وحسنت الجنة مرتفقاً؛ لما فيها من النعيم المقيم، وفوق ذلك رضوان رب العالمين، اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، واهدنا إلى ما هديتهم إليه من الإيمان وصالح الأعمال .
أهم ما يستفاد من الآيات:
- لا ملجأ ولا أمان حقيقي إلا في الاستقامة على منهج الله.
- ضرورة الصبر والثبات مع أهل الإيمان الصادقين ولو كانوا فقراء.
- لا يجوز تفضيل أهل الدنيا والجاه على أهل الدين والإخلاص.
- أهل الذكر والعبادة هم أهل المجالس المباركة ولو قلّ شأنهم في الدنيا.
- اتباع الهوى يُغلق القلب عن ذكر الله ويقود إلى الهلاك.
- التميز الحقيقي عند الله لا يكون بالغنى أو النسب بل بالتقوى.
- حرية الإيمان والكفر، لأنه لا إكراه في الدين، فمن شاء آمن ومن شاء كفر، ولكن الكفر عاقبته وخيمة.
- تهويل العذاب في القرآن للردع والتحذير لا للشماتة.
- نار جهنم مطوقة بالكافرين لا مهرب منها ولا خلاص.
- ماء جهنم كالمهل يغلي الوجوه ولا يروى العطش بل يزيد العذاب.
- وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات عدن خالدين فيها أبدا.
- نعيم الجنة شامل: مساكن، أنهار، لباس، زينة، وطمأنينة.
- لباس أهل الجنة من الحرير الفاخر الأخضر دليل كرامتهم ومكانتهم.
- نعيم الجنة أعظم من أن يُقارن بما في الدنيا وأسماؤه فقط مشابهة.
- الجنة خير مرتفق وسكنى وأجمل جزاء لأهل الإيمان والعمل الصالح.