حكم ركوب المرأة التاكسي منفردة مع السائق؟

تاريخ الإضافة 8 يناير, 2022 الزيارات : 4393

هل يجوز للمرأة ركوب التاكسي منفردة مع السائق؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن تحريم الخلوة بالأجنبية موضع اتفاق أهل العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي (1171) وصححه الألباني في صحيح الترمذي

وما جاء فيما أخرجه مسلم من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ، فَرَآهُمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ ” ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: ” لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوِ اثْنَانِ “. وقد عنون مسلم رحمه الله فقال: كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، وقد نقل النووي النووي رحمه الله في شرح مسلم (14/ 153) إجماع العلماء على تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه. وكذا نقله الحافظ في الفتح (4/ 77)

ويبقى النظر في ضابط الخلوة، وتطبيق ذلك على الانفراد مع السائق في التاكسي.

أما ضابط الخلوة عند الفقهاء فهي: كل اجتماع امرأة ورجل أجنبي عنها، لا تؤمن معه الريبة عادة، ويغلبُ على الظَّن ألا يطَّلع عليهما أحدٌ.
ومن ضوابطها:
• الانفراد، فالرجل مع جمع النساء لا يعتبر خالياً، والمرأة مع الرجال ليست خالية. فتزول الخلوة بوجود المحرم ، أو وجود امرأة صالحة أو رجل صالح على الراجح ، لحديث : ” لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوِ اثْنَانِ “. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الخلوة تتنتفي بوجود امرأتين مع رجل ولا تنتفي بوجود امرأة مع رجلين، ووجهه أن المرأة تستحيي من المرأة فوق ما يستحي الرجل من الرجل قال في “أسنى المطالب” (3/407) : “ويجوز لرجل أجنبي أن يخلو بامرأتين ، لا عكسه ، أي: لا يجوز لرجلين أجنبيين أن يخلوا بامرأة ولو بَعُدَ تواطؤهم على الفاحشة ، كما صرح به النووي في مجموعه ; لأن المرأة تستحيي من المرأة فوق ما يستحي الرجل من الرجل” انتهى.
والحديث المذكور يقوي موقف الفريق الآخر

• أمن الرقيب بحيثُ يكونان في مكان يغلبُ على الظَّن ألا يطَّلع عليهما أحدٌ.

• بلوغ الرجل والمرأة، فالمرأة مع الصغير، والرجل مع الصغيرة لا يُعتبران في خلوة. وقد ذكر النووي رحمه الله أن الصبي الذي لا يستحيى منه لصغره لا تنتفي به الخلوة، وقد مثل له بابن سنتين وثلاث.

• انتفاء المحرميَّة بينهما، فالانفراد بالمحارم نسباً أو صهراً أو رضاعة ليس خلوة.

• كونُهما من أولي الإربة، فالعنينُ الذي لا يشتهي النساء والطفل غير المميزِ للمفاتن لا تُعتبر خلوته مع المرأة، وكذلك القواعد والدَّميمات والزَّمنى اللائي لا يُشتَهين عاةً لا عبرة بالخلوة بهنَّ.

• احتجاب الأشخاص، فلو شوهدا لم تكن خلوة ولو لم يسمع كلامهما، ومن الأدلة على هذا الأخير ما جاء حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال :جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها، فقال والله إنكن لأحب الناس إلي، وعند مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ” أن امرأة كان في عقلها شيء قالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة ، فقال : يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك،وقد عنون البخاري رحمه الله لذلك فقال في الجامع الصحيح :بَابُ مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاسِ أهـ وذكر فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها فقال: والله إنكن لأحب الناس إلي.
قال الحافظ في الفتح:
أَيْ لَا يَخْلُو بِهَا بِحَيْثُ تَحْتَجِبُ أَشْخَاصُهُمَا عَنْهُمْ، بَلْ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ كَلَامَهُمَا إِذَا كَانَ بِمَا يُخَافِتُ بِهِ كَالشَّيْءِ الَّذِي تَسْتَحْيِ الْمَرْأَةُ مِنْ ذِكْرِهِ بَيْنَ النَّاسِ وَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ فِي التَّرْجَمَةِ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فَخَلَا بِهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ أَوْ فِي بَعْضِ السِّكَكِ وَهِيَ الطُّرُقُ الْمَسْلُوكَةُ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ عَنْ مُرُورِ النَّاسِ غَالِبًا
ثم بين معنى قول أنس ( فخلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال: قوله ( فخلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي في بعض الطرق، قال المهلب : لم يرد أنس أنه خلا بها بحيث غاب عن أبصار من كان معه ، وإنما خلا بها بحيث لا يسمع من حضر شكواها، ولا ما دار بينهما من الكلام ، ولهذا سمع أنس آخر الكلام فنقله ولم ينقل ما دار بينهما لأنه لم يسمعه اهـ . ووقع عند مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ” أن امرأة كان في عقلها شيء قالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة ، فقال : يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك ” وأخرج أبو داود نحو هذا السياق من طريق حميد عن أنس لكن ليس فيه أنه كان في عقلها شيء 
وفيه سعة حلمه وتواضعه صلى الله عليه وسلم وصبره على قضاء حوائج الصغير والكبير ، وفيه أن مفاوضة المرأة الأجنبية سرا لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة ، ولكن الأمر كما قالت عائشة ” وأيكم يملك إربه كما كان صلى الله عليه وسلم يملك إربه ” .

فعلم أن مدار الامر في ذلك على أمن الفتنة وانتفاء الريبة، ولهذا رجح بعض المعاصرين جانب الاحتياط نظرا لفساد الزمان وانتشار الريبة، فذهبوا إلى أن الخلوة المحرمة ليست احتجاب الأشخاص عن أعين المشاهدين فحسب، بل يدخل فيها خلوة الحديث والمناجاة وإن كانا على مرآى من الناس.

وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء ببلاد الحرمين: هل الخلوة هي فقط أن يخلو الرجل بامرأة في بيت ما، بعيداً عن أعين الناس ، أو هي كل خلوة رجل بامرأة ولو كان أمام أعين الناس ؟
فأجابوا : “ليس المراد بالخلوة المحرمة شرعاً انفراد الرجل بامرأة أجنبية منه في بيت بعيداً عن أعين الناس فقط ، بل تشمل انفراده بها في مكان تناجيه ويناجيها ، وتدور بينهما الأحاديث ، ولو على مرأى من الناس دون سماع حديثهما ، سواء كان ذلك في فضاء أم سيارة أو سطح بيت أو نحو ذلك ، لأن الخلوة مُنعت لكونها بريد الزنا وذريعة إليه ، فكل ما وجد فيه هذا المعنى ولو بأخذ وعد بالتنفيذ بعد فهو في حكم الخلوة الحسية بعيداً عن أعين الناس” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز … الشيخ عبد الرزاق عفيفي … الشيخ عبد الله بن غديان … الشيخ عبد الله بن قعود .”فتاوى اللجنة الدائمة” (17/ 57) .

• أما بالنسبة إلى تطبيق هذه القواعد على التاكسي، وركوب المرأة منفردة مع السائق، فإن الأمر يختلف باختلاف الأحوال، فإذا كان هذا في طريق مزدحم، ممتلئ بالسيارات والمارة، في وسط المدينة، وكانت السيارة بحيث يرى من بداخلها، لم تغط نوافذها بستائر ونحوه، فليس هذا من الخلوة، أما إذا كان هذا في طريق ناء، أو في سكون الليل وانقطاع المارة، أوكانت السيارة مغطاة نوافذها بحيث لا يرى من بداخلها ونحوه كان هذا من الخلوة المحرمة، والأرضى لله عز وجل الابتعاد عن مواضع الريبة، واستخدام وسائل التقل العام عند الحاجة.

ولعل مما تتم به الفائدة في هذا المقام أن نجيب على هذا السؤال

هل تتصور الخلوة في الأماكن العامة؟
• والجواب عن ذلك أن الأصل في الطرقات والاماكن العامة إذا امتلأت بالغادي والرائح أنه لا يقع فيها خلوة، قال ابن مفلح في كتابه الفروع:” الخلوة هي التي تكون في البيوت أما الخلوة في الطرقات فلا تعد من ذلك “. (5/153) 
• إلا أنه إذا قلت السابلة وخلت الطرقات والزوايا فإنه بحصل فيها الخلوة، قال القاضي في الأحكام السلطانية فيما يتعلق بالمحتسب: “وإذا رأى وقوف رجل مع امرأة في طريق سالك لم تظهر منهما أمارات الريب لم يتعرض عليهما بزجر ولا إنكار، وإن كان الوقوف في طريق خال فخلو المكان ريبة فينكرها، ولا يعجل في التأديب عليهما حذرا من أن تكون ذات محرم، وليقل: إن كانت ذات محرم فصنها عن مواقف الريب، وإن كانت أجنبية فاحذر من خلوة تؤديك إلى معصية الله عز وجل”. (انظرالآداب الشرعية 1/302) والله تعالى أعلى وأعلم


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 367 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم